متعرقٌ فلا يقوى على الحراك .. حتي في غياهب أعماق الأحلام .. هو يتألم
يرى ظلالاً .. ليس بحية .. و لا ميتة .. ظلالٌ مشوهة .. قبيحة و ملتوية
ذات أصواتٍ صريرية .. متداخلة بذبذبات أنينية ..
هو مشلولُ فلا يتحرك .. و الظلال إليه تتحدث .. لا يستطيع فهمها ..
لا يريد فهمها !! هذا العواء .. هذا الصوت المنكر !!
يستولي على عقله .. يريه ذكريات .. ليست له حتى .. ،
سائلٌ ما يُغّرقه .. يشعر بهِ ولكن لا يراه .. يتعجب .. لما فجأة ما عاد للظلال برائي ..
فيجيبه صوتٌ صدى في رأسه كالصداع ..
- أنت بلا عينين .. !
في رأسه رأى نفسه .. ومحجراه فارغان ينزفان دماءً سوداء .. وهي
بسيفٍ بيدها .. تراه غريقاً في هذه المياه .. لا تتحرك ..
تنظر إليه بلا إدراك .. فتطعن نفسها .. أمام ناظريه .. وتتحول عيناها للسواد !
تقيدها سلاسل .. لا يعرف مصدرها .. و تصدح عبارةٌ سمعها .. من والده قبل آن ..
" النفس التي تخطئ هي تموت ، ولا عجب لأن الشيطان نفسه يغير شكله إلى ملاكِ نورٍ إن أراد ، فها أنت ذا لا تعرف حياتك .. ولا أمر الغد ، ما هي حياتك ؟ إنها بخار يظهر قليلاً ثم يضمحّل ، لستُ أشعر بشيءٍ في ذاتي لكنني لن ابرره ، ولكن من خلصّني من الشرور .. يبارك الغلامين و الحرب والهلاك وأنت لكل هذا بمفتاح ، برحب بيدين مفرودتين بالضياع ، و أقبل الكلمات .. التي ينطقها لك الظلام"
فكما تتردد العبارة وتتكرر في ذهنه يبدأ بالإدراك .. أن لا مجال للفرار ...
من هذا المكان .. !
إلا أن دفئاً قد كساه فجاءة .. فيفتح عينيه على الواقع الذي كان يعرفه قبلاً ..
في الحجرة الحبس يقبع .. جالسٌ على الأرض مستنداً على الجدار ..
ترّف عينه قليلاً .. يشعر بيدين ناعمتين تمسحان العرق عن وجهه وجسده ،
فيركز النظر .. ليراه .. وجه مألوف و لطيف .. هذا ما كان يحتاجه كي يرسم
إبتسامة صغيرة على محياه .. فيناديه بهدوء ..
- [ كوو ] .. مرت فترة يا صغير !
يبتسم المعني بدفئٍ و رقة ، كما يكمل مسح العرق عن [ كازو ] المقيد
- أجل مرت فترة ليست بقليلة .. [ كازو – ساما ]
هو يحب حضور هذا الشيطان الصغير .. لا يعلم السبب .. ولكنه ..
يعطيه الأمل .. فابتسامته جميلة .. لطيفة و تبثّ الدفئ الذي يفتقده كثيراً
- [ دان ] دائماً ما يفعل أموراً غريبة .. لا أفهم عقله !
يتعجب [ كوو ] ويميل رأسه معقباً على كلام البتّار
- لم يكن [ دانتاليون – ساما ] من أمرني بالحضور ومساعدتك ..
يعبس [ كازو ] ويتحير في هوية من أمر هذا الصغير بالحضور ..
يكمل [ كوو ] بإبتسامة رقيقة
- [ كاريو – ساما ] .. من أمرني بالحضور !
تلمع العينان الحمراوتان .. وتضيقان .. فيعتدل بالجلوس ويسند يده على رجله
يبتسم ساخراً حينما شعر بحضوره الكئيب .. فيفتح عينيه ويردد بضعفٍ شديد
- ما توقعتك بمساعدٍ لي [ كاريو ] .. هل نُفخ حبي في قلبك فجأة ؟
إبتسامة ملتوية خبيثة على محيا المعنيّ ظهرت .. فيما تقدم من شقيقه الأكبر
بخطواتٍ كانت دهراً بالنسبة للمرائي ..
يدنو منه .. يدفع الجدار بقوةٍ بيديه والإبتسامة الخبيثة تتسع أكثر بشرارٍ في عينيه
بنبرةٍ غير معتادة .. عميقة ووعيدية .. نطق
- أنسيت من أنا .. [ كازو – ني سان ] .. أنا جاسوسك .. أعمل لصالحك للأبد !
يغطي ظل [ كاريو ] الذي يجلس [ كازو ] بشكلٍ شبه كامل ..
تتحول عينا الأخير إلى الشيطانية البحتة .. على الرغم من ضعفه أسند رأسه على باطن يده
ثم أعقب بابتسامة محتقرةٍ متكبّرة
- أجل [ كاريو ] .. انا اتذكر هذا جيداً .. يا اخي .. و جاسوسي العزيز !
ظلٌ أسود على ملامح المعني ظهر .. وإبتسامة خبيثة سادية ..
سرعان ما ضحك .. بقوةٍ مجنونة .. ضحكاتٍ مرعبة .. من أعماق الديجور !
أدخلت وجلاً لا يوصف لقلب الصغير المناظر .. الذي ما توقع جانباً كهذا
في شخصية [ كاريو ] بالذات
يركل الجدار بالقرب من رأس [ كازو ] فتهتز الأرض بابتسامة الجنون الهستيرية
وينطق بنبرة لعوبٍ ساخرٍ ممثل
- واجبي أن أساعدك .. ومن الجيد بأني علمت أنك في هذه الغرفة بالذات ، أنت تعرف والدي ، لديه من الحيل ما لا يدركها عقلُ أيٍ منّا !
تنهد [ كازو ] مرهقاً فتعود ملامح أخيه للهدوء .. ينظر صوب [ كوو ] و يردد
- فالتمسح بالمياه المقدسة على رقبته فتفك لعنة والدي .. كما آمل !
يهز [ كوو ] رأسه موافقاً
- حاضر !
يفعلها .. ويمسح بالمياه على رقبته .. تتلاشى العلامة كما ذرات الغبار .. !
عاد و دنى منه مجدداً يرفع ذقنه بأصابعه ويردد بالإبتسامة الخبيثة نفسها
- أنت ممتع [ ني – سان ] .. تحركاتك غير متوقعة .. مثير للعجاب .. ذو هيبة مختلفة .. وتفكيرٍ مختّل قوي .. قاهرٌ لمآرب الخونة والأعداء .. مدمرٌ للحضارات .. بتّارٌ للحياة .. لذا أحترمك أكثر من باقي الأغبياء الستة !
لم يعقب على كلامه ، يخرج من الغرفة فيتبعه [ كوو ] الذي ترك بعض الملابس الجديدة له
و حالما خرجوا .. تذكر أمراً .. شعر بإضطرابٍ في جهة صدره اليمنى ..
أحدٌ ما يقترب من البئر .. !!!
بصوتٍ عصبيّ صرخ
- [ هولدرا ] تعالي في الحال !!
فتظهر أمامه .. ذات الشعر الأبيض .. والإبتسامة الخبيثة التي لا تنزع عن وجهها
تابعته الوحيدة .. التي ولائها .. نادرٌ وجوده !
أسفل قديمها يقبع الماء .. أيمّا حطت هو يظهر معها .. ترفع عينيها اللتين شابهتها لون شعرها
و تردد بصوتٍ .. حازمٍ شيطاني
- لتأمرني [ كازو – ساما ] وأنا لك بمطيعة أبد الدهر !
عيناه .. إلى صورةٍ مرعبة من الجلال والهيبة تحولتها .. كما يجلس مرهقاً مغطىً بالدماء
يتلو آوامره .. بصوتٍ باردٍ وحشي
- لتذهبي وتجلبي لي أقداحاً مملوءة بالدماء ، و لتتحري عمن يحاول الإقتراب من بئر الفناء !
تتسع إبتسامتها المخيفة .. يدها التي تدنو من الأرض تضرب المياه برفق
تتشكل الموجات .. وصوتٌ كالجرس يخرج منها .. فتنادي الأرواح و تجيب بخضوع
- أمرك .. سيدي !!
تختفي من أمامه بسرعة .. وهو بقي منتظراً .. عودتها !
دون خارطة المكان .. الفتاة الصغيرة .. طفلة الأبدية [ كيسارا ]
فيال الطريق الذي قطعوه .. مموجٌ .. مضلٌّ وخطيرٌ على كل الكائنات
مغمور بطبقات الظلمات ، و محميٌ بتعويذات الساحرات ..
مُحاطٌ بالوحوش .. مكسوٌ بالحوشية و البربارية البحتة ..
وكل هذا في غابةٍ غيهبية سوداء .. لا ضوء فيها غير لونٍ أزرق يشعُّ من الحشرات
تقودهم والرغبة فيها تلوح على مضض .. فهي ليست بمن يقبل هذا .. دون سبب
[ آلبيرت ] و [ مايكل ] يتبعانها دون تذمر .. فلو فعلا لتركتهما هنا .. ليهلكلا .. !
إلى شجرةٍ ضخمة في نهايات الغابة وصلوا .. محاطةً بسورٍ ذهبيٍ محطم ..
وأمامها .. ينصّفها .. بئرٌ إمتزج بالظلمة فلا يظهر للوهلة الأولى للأعيان ..
تشير إليهما بالوقوف وهي تعلم .. أن الوصول للبئر من المحال .. بئر الحكمة هذا
يحرسه إثنان .. من أقبح نفوس الشياطين .. هما بلا مشاعر تذكر ..
فتنطق بقلقٍ على الحال
- لا أعلم .. لما لم يظهرا .. !
يقطب الاشقر حاجبيه .. يردد بتذمرٍ و بغضٍ للطفلة بعينين حاقدتان
- فسري الكلام يا قصيرة .. لسنا للألغاز بمحبان !
تنظر إليه .. فتتحطم رجلاه ويسقط على الأرض فتدوس رأسه وتجيب بتعالٍ وإستكبار
- ما أعنيه هو الحارسان ، حارسا البئر اللذان طردا من فصيلة الوحوش والشياطين .. لما فعلاه من وحشية لا يستهان بها !
قلقٌ على محيا [ آلبيرت ] ظهر من دون أن يعرف له مكان ، ينظر بعينين متفحصتين حول الأرجاء ،
يدنو من [ كيسارا ] التي استلذت بذلة [ مايكل ] أسفل قدميها
بابتسامة هادئة لم تعكس الزوبعة داخله طلب منها بإمتنان
- [ كيسارا ] .. أرجوكِ دعيه يذهب فهو ناقص العقل و الأفعال !
لا تريد ذلك .. إلا أن إبتسامته تجبرها على فعل ذلك .. فتنفخ خديها بتوردٍ فيهما وتقول
- كما تريد .. لستُ بمستمتعة بهذا اصلاً !
يشكرها بإمتنان حقيقي .. تتجاهله متعمدة حتى شعرت بحضور الإثنان .. يمسكان بأيدي بعضهما
من المجهول ظهرا .. أمام البئر يقفان .. طفلان .. أخوان .. توأمان .. فتاة وفتى
يبدوان .. بخبث الذئاب .. والشياطين المجتمعة !
مطرقين رأسيهما نحو الأرض .. فتغطي الخصلات الذهبية ملامحها
لا يعرف إلى وجهيهما أحد .. تتراجع [ كيسارا ] متوترة .. حتى يتحدث الصبي مردداً
- دخلاء .. !
عينٌ واحدة من كل واحدٍ فيهما ظهرت .. وحشية مرعبة حمراء بلون الفناء !
ومن خلف ظهريهما .. تمددت أشواكُ تتلوى كما الأفاعي .. حادة .. وطرية !
جمعت تناقضاً فيزيائياً بتفردها .. ورعبها !
فكما تتحدث أخته ناطقة .. يوافقها بلا أي إنتقاد
- على من هتك حرمة البئر الوقوع في النسيان ، و يموت ويغدو في طيّ الكتمان !
لم يدرك الواقفون .. الحركة السريعة للأشواك التي اخترقت أجسادهم فجأة ..
إلا حينما رأى [ آلبيرت ] .. جسد [ مايكل ] يقطّع لأشلاء !!
ببطئ كان يتقطع .. مسبباً عشرة أضعاف الألم العادي ..
ولكن جسده تجدد مجدداً .. كما لم يتقطع اصلاً !
فعاود التقطع مجدداً .. مرات ومرات .. كما حدث الأمر السيان لـ [ آلبيرت ] على فترات
إلا [ كيسارا ] التي لم يمسوها بسوء .. وسط المأساة التي تقع للآخرين ..
حينما تجدد الجسدان .. توقف الأخوان عن التقطيع .. وقررا إتباع منهجٍ آخر
المنهج الجحيمي في التعذيب .. ولكن [ كيسارا ] تصرخ بهما زاجرة
- توقفا أيها الأحمقان .. ألا تعلمان من يكونان ؟
رغم أن قدميها ترتجفان .. وهي مرعوبة أشد الرعب وتشعر بقصر الحيلة ..
إلا أنها استفاقت من الصدمة التي كانت فيها .. وتحدث بقوةٍ رغم الهوان
يتوقف الأخوان .. يتقدمان ممسكين بأيدي بعضهما .. يرددان في آنٍ واحد
- وهل لهويتهما أهمية في هذا المكان ؟ هما للموت ينتميان .. للتلاشي والإضمحلال يؤولان
تزدرد لعابها .. ثم تكمل بصوتٍ عالٍ الحديث ..
ما أستطاع [ مايكل ] و [ آلبيرت ] سماع مقولتها .. لصرير رياحٍ هبت فجأة
فحجبت الصوت عنهما !!
لم تتغير ملامح الأخوين .. إلا أنهما نطقا في نفس الوقت مرددين
- هكذا الحال .. تقدموا إذن وانهلا من الحكمة التي تبغيان .. ولكن إن تعديتما القوانين لنفسكنّ دمكما ونستبيح تعذيب أرواحكما .. هنا .. للأبدية !!
يشد [ آلبيرت ] على قبضته .. يربت [ مايكل ] على كتفه قائلاً
- هيا لتعرف الحقيقة .. من البئر التي حوت حكمة العالم و التاريخ كله !
يتقدم المعني .. نحو البئر الجاف .. ما كانت فيه حتى قطرة من الماء ..
يأخذُ نفساً عميقاً ثم ينادي إسم روحِ البئر الهيفاء
- [ كاستوفيليا ] .. أخرجي من عالم الأرواح !!
من داخل البئر تتشكل رياح ، دوامية كأنها إعصار .. فجأة يمتلأ بالأرواح والمياه
ومنه تخرج بغرابة مظهرها .. وجمالها .. ساكنة البئر .. حاملة الحكمة والتاريخ
التي .. تعرف كل شيء .. عن كل شيء .. و كل زمانٍ ومكان !
صوتها .. كأنه الصدى في قوقعة بحرية .. منتظم .. عميق .. ومهيب .. ،
لا تنظر إلى أحد .. فقط إلى الفراغ .. فهي عمياء .. ترى فقط المحفوظ في رأسها
فيتردد صوتها عبر مسامع وقلوب الحاضرين
- يا مناديّ من أسفل الحياة .. يا من أحضرني .. ما أتى بك وأنت كهذا مُهان ؟
يشعر بالرهبة .. اصلاً هي مهيبة .. حضورها وتدفق طاقتها .. لا يعلم
لا يستطيع التحديد .. أهي شيطانٌ أم روح .. حيةٌ .. أم ميتة .. لا يعلم !!
يستجمع قواه .. يسأل بقهرٍ في نفسه
- أخبريني .. [ كاستوفيليا ] .. هل أنا من كان سبب عذابه ؟ هل انا من كتب الأحداث ؟ هل دونّت موتها في الصفحات السوداء ؟ هل أستخدمت كتاب السماوات ؟!!
تلمع عيناها .. تعطيه إشارة وتردف
- لتدنو مني .. [ آلبيرت فالنتينو ] .. دعني أجب عن سؤالك .. وأعطيك الحقيقة التي تبغي .. !
فيدنو منها .. يضع يده في يدها .. و يرى الحقيقة !
تدنو منه الطيور البيضاء .. فائقة الجمال .. لا تدنو من بشرٍ ولا شيطان ..
هذه الطيور التي تمثّل أصوات الأسلاف .. أسلاف الكون كله من المخلوقات ..
هي كائناتٌ طاهرةٌ مقدّسة .. تنقل كلمات أعظم الأرواح .. إلى اذنيه .. هو
الوحيد الذي يقدر على فهمهم .. عدى بعض الأشخاص القلال ممن ماثلوه
يقف أحد الطيور على كتفه ، كما آخر على يده .. والسرب بكامله في السماء
الضبابية يطير بتشكيلٍ أنيقٍ جميل ..
تلمع الطيور بنقاء المياه .. بجمال الألماس .. و حضورٍ قويٍّ فتّان
يستطرد [ ساتان ] لهذه الطيور بصوتٍ لطيف و فائق الجمال
- ما هي الهمسات .. التي تريدون تلاوتها في اذنيّ .. أنا من خان السماوات ؟
يبدأ الطير على كتفه بالكلام .. صوته كالهمس الصامت المشوش الذي لا يفهم منه الحديث
هادئٌ جداً .. تلك النبرة التي امتازت بعمق المحيطات .. صداها في قوقعتيّ السامع
كمن يغرق في النعيم
" هو على قيد الحياة .. ! "
" لا مجال للنجاة .. إلى النهاية يحال "
" ليتوقفنّ الوقت إن حان وقت المنام .. ولا يستيقظنّ من السبات "
" هي النهاية .. هي البداية .. والدمار "
تتوقف الهمسات .. والكلام الذي كان غامضاً لا يظهر معناه ولا يبان ..
تتحرك الأسراب بشكل جنوني .. تطير بشكلٍ دائريّ مستمرٍ حول [ ساتان ]
خادشة وجهه .. مشققة الملابس التي يرتديها .. مثيرة ريحاً قاتلة
فيخشن صوتها .. ويغدو عالياً .. وحشياً .. و ظلالياً
" لا إيقاف .. لا مجال "
" ما كان عليها ترك الحياة "
" هو الذي جلب على العالم العناء "
" هي التي كان من المفترض عليها البقاء "
" لا يفهم هو السبب ، ولا تعي هي الأمل "
" كلاهما وحيدان .. كلاهما نحو النهاية يحلقان "
" لتضع ورود الوداع .. وليستعد قلبك للفقدان "
" ما استطعتم إيقافه .. هو كان موجوداً .. منذ أول بداية "
" سلام .. إلى أن يقرر القدر الإنعكاس "
يغمض عينيه ، تحتّد ملامحه بجبروتٍ عظيم ..
نطق عدة كلماتٍ ثم رحل
- أقوالكم منكرٌ وليست بحياة .. ولسوف تفشلون وتحرجون أنفسكم في نهاية المطاف !
يترك [ ساتان ] الجنة التي كانت رياضاً بسماءٍ مغيمة في يومٍ ساطع ..
ويخرج .. غير آبه .. بكلام السالف من الروحانيات !
التجسّد على هيئة البشر .. حرام .. هو قالها قبلاً ..
منع قومه حينما كانوا أحياء .. إذن لماذا .. هو على هيئتهم الآن ؟!
متعلقٌ بهذا القرب من الشياطين ذويّ أشكال البشر البلهاء ،
إلا أنه يبغضه .. يكرهه حقاً .. لذا كان التناقض مولّداً للمعاناة !
هل عليه التوقف .. عن التظاهر بالغباء ؟ هل عليه التوقف عن توليد الضحكات ؟
ولكنه إن توقف .. سيعاود الألم الظهور .. سيعود شبح الماضي ليطارده
و سيعود .. نبض قلبه لتحطيم أضلع صدره العديدة
- لكن .. لما أفكر بهذا الآن ؟
[ ريو ] الذي ما اظهر لأحدٍ ما اختفى في حقيقة جوفه من مشاعرٍ كبار
تنهد .. وقلبه يؤلمه .. يؤلمه حقاً .. هل هذا نذيرُ شؤم ؟ أم ماذا ؟
يطأطأ رأسه .. إلى أسفل السفح .. الذي نهايته بحرٌ هائجٌ بالغبار
- ما الذي جرى لي ؟ ما عدت أعرف نفسي .. عليّ التوقف عن التفكير بما لا يفيد
- أحقاً التوقف مفيد ؟
يغمضُ عينيه .. يجيب الوافدة التي كانت من العارفين .. بكل شيء
- اجل مفيد .. في إيقاف تدفقٍ مخيف .. لأشباح من الماضي .. و صرخات أحبابٍ مفقودين
تقف بجانبه .. تراقب البحر الهائج للحظات .. ثم تكمل حديثها
- أنت تعلم السبب .. الذي يدفعك لتكون بهذا الحال .. انطقه وخلص نفسك من الخيلاء
يحملق فيها .. بعينيه الحمراوتين الجميلتين .. عديمتيّ الملامح البشرية
يردف بهدوءٍ مقيت
- أنا فقط .. ما عدت أريد الخسران .. ما عدت أريد الإبتعاد !
- إذن عد إليها .. و ادخل لتختبئ في جوفها مجدداً
- هذا ما اريد .. ولكني .. لن اساعد احداً بهذا
- الا ترغب بالهرب ؟
- بلى
- إذن .. لتهرب .. لا داعي للقتال
- اتعلمين .. بالنسبة لي .. هي العائلة التي فقدتها منذ اجيال
- اجل اعلم .. لا تهتم بغيرها
- بل اهتم .. ولكن للأشخاص مقامات .. وهي الأعلى
إبتسمت بدفئ .. وارتشفت من كأس الشاي القليل ..
نظرت إلى السماء .. وإلى التماثيل الضخام .. و اعقبت بإبتسامة هائجة سوداء
- ما عاد هناك الكثير من الأمل .. لنمت ببطئٍ .. سويةً .. لنحلق بقافلة الراحلين .. ونحن نشاهد عذاب .. الآخرين !
هو يفهمها .. ويفهم أن مقصدها .. بعيدٌ أشد البعد عن السلام الظاهري .. !
[ و قبل ساعتين من الوقت الحالي للأحداث ]
في غرفةٍ منعزلة تقبع هي ، أمام لوحةٍ تمتد لعشرة أمتار .. !
تصور خريطة للعاصمة [ راكوس ماريا ] كاملة ..
وضعت علاماتٍ على أماكن التماثيل التي لا تزال موجودة بشموخها في الأجواء
كما وضعت علامة أخرى على مكان حجر [ سيراس ] الذي تحوزه الآن
بحاجة لتحديد مكان الحجرين الآخرين .. [ فيرون ] و [ نافاليد ]
المشهوران بطبيعتهما المتمردة .. فهما يحوزان قوى مضطربة غير ثابتة
تتضمن هذه القوى .. التلاعب بالعقول ، تغيير الحقائق و تغيير التضاريس الطبيعية
لذا فمن المهم العثور عليهما أولاً .. ولفعل هذا عليها تحديد الموقع الأقرب لوجودهما فيه
وكما تحاول ذلك .. يطرق الباب .. تعرف الطارق فتسمح له بالدخول ..
يقف بجانبها .. ويناولها كأساً من الشراب الدافئ ، ثم يحدثها بهدوء
- هل وصلتي إلى شيء ؟
- لا ليس بعد !
- أنا ارى ..
صمتت فصمت هو ، يشعر بتأنيب الضمير على صفعها بتلك القسوة ..
إلا أن الإعتذار لا يخرج .. وهذا يسعده .. لأنه لا يستطيع الإعتذار لمن يعتبرهم أصدقائه المقربين !
أو هكذا يظن .. في العادة !
تفكيرها يغدو أعمق كلما ركزت على الخريطة التفصيلية للمنطقة ..
ولكن أمراً ما يؤرقها .. يقضّ كل الأفكار وينفض ما في كينونتها ،
هواجس تتناهى إلى وسوسات نفسها لنفسها .. وجانبها الذي دفنته بعيداً
يلحق بها في توغلات كوابيسها ،
يبتسم [ آيريس ] بهدوء .. حملت إبتسامته حزناً عميقاً لم يفهمه ..
ولكنه يريد تحسين الأجواء .. فوكز جبهتها على حين غرة مردداً
- وجهك متهكمٌ على الدوام .. فالتبتسمي يا فتاة !
- لا اشعر برغبة في الإبتسامة
- وأنتِ التي كنتي تضحكين بجنون قبل ساعات
- سأقتلك .. إن نطقت بالأمر !
- حاضر ..
ضحك ، فابتسمت هي بهدوء .. و عقلها لا زال مفكراً بحال [ كازو ] ..
تعلم أن الأمر نجح .. وأنها منعت أمراً بشعاً كان سيحدث له .. فحدث لها هي عوضاً عن ذلك
شوقٌ دفعها لمعرفة حالة ، لا تريد له أن يتألم .. كفى به معاناة لحد الآن
لم تدرك الدخان الدافئ الذي ينبعث من الكأس .. وهي تحدق فيه بدون أن تشعر
بـ [ آيريس ] يناديها ببلاهة .. فيكسر خاطره .. ويبكي عند زاوية الجدار يرسم
لعنات موجهةً لها ..
- اللعنة .. دائماً ما يتم تجاهلي .. انا الوسيم .. ذو الجمال الذي لا حدود له
عادت للواقع ، نظرت إليه بعينين مشفقتين على حال حيوان جريح
هذا ما زاد من تحطم كبريائه الذي تشتت إلى ذرات غبار ،
ضحكته رنّت في أذنيهما على حين غرّة .. لم يتوقعا هذا مطلقاً ..
سقط الكأس من يدها .. تنظر إليه تعرف أنه يمثل كونه بخير ..
ولكنه فشل في إخفاء بعض علامات الإعياء التي تبدو عليه
بتكبره وسخريته قال لصاحبه السنجابي
- كما هو متوقع .. بكتيريا منقرضة أنت يا رجل !
شهق [ آيريس ] ووضع يده على قلبه .. إلتفت لـ [ آيـآمي ] باثاً جراحه وهمومه فلم يجدها
لأنها .. كانت قد اتجهت صوب [ كازو ] الواقف بتعب .. واحتضنته بقوةٍ جبارة
تعلقت به بشدة ، تستشعر قربه منها .. وجوده الذي يريحها
إبتسم إبتسامة ساحرة فاتنة ، بادلها العناق وسط الجو المليئ بالأزهار حول السنجاب
إستنشق عبيرها ، أحاطها بقوةٍ كبيرة .. تسارع نبضه لقربها منه .. كما تسارع نبضها
إبتعدت قليلاً ، أحاطت وجهه بقسماتٍ قلقة متوجّلة .. سائلة إياه بخوف
- هل أنت بخير ؟ هل تألمت ؟ أو تأذيب بشكلٍ غير اعتيادي ؟
إتسعت إبتسامته .. تخللت أصابعه خصلات شعرها المجاورة لوجنتها اليمنى
وضع جبينه على جبينها معقباً
- أجل .. أنا بخير !
لم يعلم أيٌ منهما ، كيف جلب [ آيريس ] سلة الأزهار التي بين يديه .. ولما
بدأ بإلقائها .. عليهما .. باكياً بسعادة .. مردداً عبارات التبركة والتهنئة ..
عرق الغضب على وجه [ كازو ] ظهر .. مزمجراً بعصبية مرعبة
- لا تقاطع لحظاتي الرومانسية أيها الحقير ، إن هذه اللحظات نادرةٌ جداً !
حجدته بنظراتٍ حادة ، تبعتها ضربةٌ قوية من كوعِ يدها على بطنه ..
تألم .. وكاد يفقد إتزانه .. هي وحشٌ وليست بفتاة !!
أنّ السنجاب عوضاً عن صديقه وبكى لأجله بحرارةٍ عظيمة ..
عانقه مستطرداً بإنكسار قلبه
- [ كازو ] .. هذه المتوحشة كادت تكسر رقبتي .. كادت أن تقتل الوحيد الذي يدخل السعادة على حياتك التعيسة ، المليئة بالتقلبات النفسية والعقوبات القاسية من والدك
إختفت الملامح التي كان يعرفها لصديقه ، جلّ ما يعرفه تلقيه ضرباً مبرحاً ..
لدرجة أن [ آيـآمي ] إضطرت أن تعهده لـ [ آراشي ] .. الذي .. علم أن وقت الإنتقام قد حان
الإنتقام .. من أجل نفسه .. التي تعذبت بسبب هذا الفأر القذر !
ثم عادت لتقف عند الخارطة .. تفّكر بعمقٍ شديد .. فيقف البتّار بجوارها
يعرف .. ما تريده هي بالضبط ..
- هل وصلتي إلى الموقع ؟
- وهل يبدو وكأنني وصلت ؟
- ليس كثيراً
- أحمق
ضحك عليها ، ثم لاحت في باله فكرة .. ما كانت لتخطر قبل اليوم
فنظر إليها .. و ردد بجدية
- [ هولدرا ] .. ربما تعرف .. أنتِ تعرفين .. هي بمثابة خريطةٍ حية
- كأطفال الأبدية ..
- ولكنها بالغة ..
- أين هي الآن ؟
- هنا .. [ آيـآمي – ساما ]
رنّ صوت الجرس الصادر من حركة الموجات أسفل قدميها ..
فالتفتا إليها .. وعلى ثغرها الإبتسامة الخبيثة .. التي لا تختفي أبداً !
يحدثّها سيدها بوقارٍ شديد .. ونبرة وعيدية
- أتعلمين إلى الأحجار من مكان ؟
تغمض عينيها ، تنحني على الأرض وتجيب بخفة
- أجل .. أعلم
- إذن أين هي ؟
- بالضبط .. أسفل هذه القلعة !
- ماذا ؟!!!
لم تتفاجئ الأميرة .. بهذه الإجابة مطلقاً .. وحالاً قررت
النزول لتحت الأرض .. على أمل إيجاد .. الحجرين .. بأسرع وقت !
لم يكونوا بظانين أنهم بصدد توليد كارثة .. بأن يروا مصائب الدنيا أمامهم
كلٌ منهم .. عرف رهبة الحياة حينما وطأت قدمه هذا المكان ..
إلا أن أكثر ما أخافهما .. الإثنين بشكل حاصديّ الأرواح .. كان جسدها ..
الذي بدأ يتكسر كالمرايا .. وتسقط منه شظايا .. وقطعٌ .. ولا يبقى مكانها
سوى فراغٍ .. أسود !
جسد [ آيـآمي ] .. بدأ يتحطم .. !
هي التي تعلم كل شيء عن الحاضر والماضي .. نحفظُ تاريخ كل العوالم .. تاريخ الكون بأسره .. تعيش في بئرٍ محظور الوصول .. لأنها سلاحٌ .. قد يمحو الكون بأسره !
عمياء .. ترى فقط ما هو مخزون في عقلها
تابعُ دانتاليون الوفي .. طيب القلب .. لا يحب القتال أبداً
بارعٌ في فنون الدفاع عن النفس ، شيطانٌ مستشعر .. يعرف من يكذب
ويعرف كل المشاعر .. حتى لو كانت مدفونة في أعمق نقطة في قلبك
الوحيدة من أتباع كازو ممن نجا .. ولائها لا يعادله ولاء في كل العالم
مستحيلٌ أن تختفي الإبتسامة الخبيثة عن محياها .. دوماً
يظنّ بها الناس سوءاً بسبب ذلك .. كانت طفلة خلود في البداية
إلا ان ساتان غيرها .. من أجل إتباع إبنه
طردا من دائرة الرحمة ، الطفلان اللذان ولدا لعائلة من السفاحين
عديما الرحمة .. إرتكبا أبشع مجازر وجرائم عالم الشياطين
لم يعد بإمكان احدٍ أن يناديهما بشياطين او وحوشٍ حتى ..
لا ينتميان .. لأي فصيلة من الأحياء .. أو حتى الأموات !
وضعا لحراسة البئر .. كصورة صغيرة من رحمة الملك لهما
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق