[ قبل آلاف السنوات ]
[ قارة كالياس ] - [ قصر حاكم القارة ]
سار الأمير الصغير في الاروقة وجميع من في القصرِ ينحي له إجلالاً وإحتراماً
فيما إن والده هو الحاكم المعين من قبل [ ساتان ] نفسه على قارة [ كالياس ] الشاسعة
فإنه يجلب الرهبة بمجرد الرمش لمن هم أقل منه منزلة !
و ما كان مرعباً بشأن الأمير [ آيليث ] هي تلك القدرة في القتل بمجرد النطق بالكلمة .. !
لذا فالجميع حذرون .. متطلعون لكل ما يقومون به أمامه .. حتى لا يزعجوه !
وربما كان هذا ما جلب المأساة على نفسه في يومٍ مقمر هادئ ، يجلس على شرفته متطلعاً المدينة
الرئيسية [ فيولا ] بكل برودٍ يمكن أن يمتكله المرء في شخصه !
إستشعر وجوده .. والده الحاكم [ سافيرن ] بجانبه ! إلتفت إليه مبتسماً بهدوء
والملك الشاب يربت على رأسهِ فخوراً بإبنه الوحيد ، جلس بقربه ثم قال
- [ آيليث ] أترى لكل هذا ؟! يوماً ما سيكون لك ! أنا واثق !
لمعت عيناه بسخطٍ لم ينتبه له والده .. فأجاب رغماً عنه بالفخر
- أجل أعلم ! وأنا بمقام هذا العمل !
إتسعت الإبتسامة الحانية في وجهِ [ سافيرن ] الحكيم فأعقب بهدوء
- لا تترك ظلمتك تقودك ، لا تدع فخرك بقواك يكون ما يدمرك !
هو يعلم في داخله .. أن أبنه هذا سيجلب البلاء يوماً .. ولكنه فقط لم يشأ التصديق !
فترك الصغير ذي الرابعة عشر وحيداً في غرفته ، ممتعضاً من معاملتهم إياه كالأطفال !
وفي داخله .. يقرر .. أن ينهي كل شيءٍ هذا اليوم .. أن يبلغ القمة في ما أراده .. العظمة !
إستّل سيفه وقوسه وسهمه .. بدأ بوالدته .. فقتلها بطعنة غادرة من الخلف ..
ثم تلاها الخدم والحشم .. وكلُ من في القصرِ عدى أباه !
و حينما أدرك الملك الشاب المجزرة .. حتى إمتلأ محجراه بالدموعِ ألماً .. و [ آيليث ]
يقفُ بين الظلال .. موجهاً سهمه القاتل لوالده الذي إلتفت إليه مبتسماً .. باكياً
فتتسع عينا الأمير صدمةُ .. على لمعان عينيّ والده الفضيتان .. ،
فأحتّل الخوف قلبه على تلك الإبتسامة المنكسرة المحبة الباكية .. !
فأطلق السهم ليخترق قلبه .. و عيناه تنظران لعينيّ إبنه بخيبة .. و مأساة !
تنهد [ آيليث ] ، ترك أسلحته وبدأ العمل الذي يليّ القتل .. تحويل هذا للوحة تاريخية !
فجمع كل الجثث في غرفة العرش ، واضعاً والده عليه ووالدته ثبتها بجانب الكرسيّ واقفة ..
وعيناها في مجحريهما غير موجودتان ، فيما أكمل على الخدمِ واحداً تلو الآخر ..
فجعلهم في وضعياتٍ .. يجعل المرآئي يظنهم أحياء يرزقون ..
عدى علامات الموت الواضحة .. فتارة إنتزع إحدى الأطراف وتارة الرأس كاملاً !
أشعل النيران الأمير الصغير .. يرمق الجثث المحترقة ببطئ و رائحتها تضجّ المكان فزعاً
إبتسم برضا .. وسار خارجاً ولظى النيران يلاحقه حتى خرج .. والقصر للرماد حائل !
ترددها بكلٍ كبريائها ، تلمس التوابيت المُغّبرة بأناملها
فتدرك العزلة التي وضعوا فيها ، هؤلاء الثلاثة من ماضٍ سحيق !
تنفثُ الغبار من على أصابعها ، ثم تلتفت للثلاثة الواقفين خلفها بقلقٍ لم يسبق لها رؤيتهم فيه ..
- [ مايكل ] .. هل لا تزال محتفظاً بالمفتاح ؟!
تضيق عينا المعني بتوتر ، يخلع القلادة التي يرتديها ببطئ وتردد .. متقدماً منها ومناولاً إياها !
تأخذ المفتاح من بين يديه .. فتنظرُ بهدوءٍ له لعدة لحظات ، تلقيه على الأرض فتدوسه بقدمها
ينكسر .. لثلاثة أقسامٍ إتخذ كلٌ منها شكل مفتاحٍ مختلف !
أخذتهم من الأرض ثم أشارت للثلاثة بالتقدم ، ثم قالت
- لا يمكن لي فتح هذه التوابيت .. فأنا للظلام والجحيم كنتُ مدفونة ! ولكنكم تستطيعون ! لذا إفتحوها لي
نظر الثلاثة لبعضهم فتقدم [ آلبيرت ] مستطرداً
- هل أنتِ واثقة أن النائمين فيهم .. سيخضعون ؟!
أغمضت عينيها صامتة ، فهي نفسها لا تعرف إجابة هذا السؤالِ يقيناً !
- [ آيـآمي ] .. نحن نثق بكِ ولكننا لا نثق بالطاقة المنبعثة من التوابيت !
مسّدت رقبتها بصمت منتظرة تعليق [ آندراس ] فإذا به يبتسم قائلاً
- لا يهم ! سأفتح التابوت إن كان هذا ما تريدينه ! الباقي عليكِ في النهاية
إبتسمت على حماسته وحماقته الظاهرتين في كلامه ، ثم فتحت عينيها بهدوءٍ تهز رأسها !
إبتسم الإثنان الآخران بإستسلام ثم تقدموا من التوابيت .. دنوا على جوانبها فأدخلوا المفاتيح في الأقفال ..
و دون أن يفعلوا شيئاً .. تحركت المفاتيح فانحّلت الأقفال بنفسها ! فزعوا وتراجعوا للخلف ..
فُتحت التوابيت .. و أنبثقت طاقةٌ سوداء شكّلت رياحاً مِهْدَاجاً جمّدت عظامهم ونخرت ظهورهم
دفعتهم تلك الطاقة بقوة للخلف ، مصدرةً حنيناً أزعج كيان كل فردٍ فيهم !
وفي ثانية .. إخترق ذاك الظلام لون العيون الخضراءِ البراقة .. فتضيق عيناها بحنقٍ على الحال
جُرحت وجنتها وهي تقف أمام الثلاثة تحميهم من ضغطِ القوة الهائلة على أجسادهم
فتلقت هي كل الضرر .. دون أن يرمش لها جفن !
ظهرت الأجساد الثلاثة المدفونة في التوابيت .. ينظرون بكل حقدٍ العالم لهم !
ثلاثتهم أرادوا أن يهجموا .. ويقتلوا محرريهم مسببين نشوةُ إفتقدتها أجسادهم المتصلبة ..
كادوا أن يتحركوا .. لولا الصدمة التي أصابتهم حينما إنبثق الظلام من [ آيـآمي ] ..
أختفت تلك الرياح التي سببوها .. واتت رياحٌ هي مصدرها ، طاقة مرعبة شلّت أجسادهم بسببها ..
لتتحول عيناها للذهبي المختلط مع الفضي ! وشعرها للأسود إستحال ..
لثوانٍ فقط .. بدت مثله !! ملكهم .. وصانعهم .. [ ساتان ] .. هذه طاقته .. التي يخشونها
وشعرها بخصلاته الليلكية يتطاير من هول الطاقة ، والصدمة قد قضّت كل مشاعرهم !
فبدون أن يدركوا هم قد إنحنوا لها .. متسائلين .. هل هذا سيدهم يختبرهم ؟!
فحينما رأت الخضوع هدأت وعاد شكلها للإعتيادي مجدداً ، تقدمت منهم بعينيها الحمراوتين
والشرارات تتطاير منهما .. ترمقهم بتفحّص .. الثلاثي الأسطوري .. اللذين خانوا فعوقبوا .. !
- [ لوسيفر ] .. [ ليليث ] .. [ دايفاس ] .. إرفعوا رؤوسكم وأنظروا إلي ..
فعلوا ما أمرت به ، والرهبة لا تزال تتملكهم رغم القوة التي يتحلون بها !
- هل تعرفونني ؟!
هزوا رؤوسهم بالنفيّ وهمّ يحملقون فيها متعجبين .. من الشبه بينها وبيه [ ساتان ] نفسه !
إتسعت إبتسامة شيطانية على محياها ، فتضع يدها على خصرها معّرفة بنفسها !
- أنا إبنة [ ساتان ] .. [ آيـآمي ساتان رايفيندارك ] ! فالتخضعوا يا من سكنوا المقابر وعاشوا الدهور دفنى !
إتسعت أعينهم .. الأميرة !! التي ما كان من المفترض ولادتها .. إبنة [ ساتان ] تقف أمامهم .. بنفس
تلك العظمة التي لطالما إحترموها في ملكهم !
ولسببٍ ما .. لم يستطيعوا الكلام .. ففقدوا وعيهم أمام ناظريها .. فأخيراً أمنكهم النوم .. أخيراً
لامست الراحة جفونهم .. إلتفتت للثلاثة الواقفين ، واعطتهم الإشارة .. كي يحملوهم للقلعة !
وربما كان ما أراحهم .. هو شعورهم به فيها !
رفع عينيه الحمراوتين للسماء مناظراً إياها من نافذة غرفته ..
سمع صوت إنفتاح الباب ولكنه لم يعبأ به حتى سمع صوت [ باندورا ] يردد
- ثلاثة طاقاتٍ متدفقة .. أيذكرونك بشيءٍ ما ؟!
إبتسم [ كازو ] بهدوء ، إلتفت لأخيه ثم أجاب بغموض
- أجل ، اولئك الثلاثة الحمقى !
قهقه [ باندورا ] ، ثم إستحوذ على بقعة من سرير البتار وجلس ، فجلس الآخر بقربه مبتسماً
- كدتَ تقتُل [ آيريس ] المسكين .. !
- أجل أعلم
- أتشعر بالندم ؟!
- إطلاقاً !
- أنظر للباب
تعجب [ كازو ] من الجملة الأخيرة ، فأشخص ناظريه صوت الباب ..
ليدهش بشخصٍ بان منه نصفُ جسده يمسك بالباب وعيناه تلمعان بالدموع نادماً
جفل عدة مرات ، وقف واتجه صوب الباب يبتسم بنذالة مردداً
- سنجابي الجميل ، هل أتيت للإعتذار ؟!
- إنه نادم يا أخي الصغير ! أعفو عن صديقك .. فلا احد يتحمل اشخاصاُ مثلك !
- مـ - ماذا ؟!
- كما سمعت !
- [ باندورا – ني ] أنا ..
- هش هش .. !
صمت [ كازو ] مصدوماً .. حينما نطق [ باندورا ] بتلك العبارة وحرك يده طارداً إياه ..
شعر وكأنه ذبابة .. ولم يرق له الأمر مطلقاً !
تنهد وإلتفت لـ [ آيريس ] الذي يبكي وينظر لـ [ كازو ] بحسرة !
شعر الأخير بقليل من تأنيب الضمير ، فحّك شعر رأسه يفكر بما ينوي القيام به الآن !
نظر صوب [ آيريس ] بجدية .. حتى توقف الآخر عن البكاء الحزين ..
ثم إبتسم وردد بنبرة حانية
- لا عليك ، أعلم بأنك لم تقصد شراً !
شهق [ آيريس ] وعادت دموعه تنهمر بقوة على وجنتيه ، قفز قفزة بهلوانية وعانق [ كازو ]
بقوة ، حتى إختنق البتار تماماً وسط ضحكات [ باندورا ] العالية
- [ باندورا – ني ] الـ - النجدة !!
قالها يريد الحياة ! و [ آيريس ] لم يرحم أبداً صديقه الذي يعانقه بكل سعادة !
- اوووه !! تذكرت ! [ كازو ] !
- ماذا ؟!
- اتعلم اتعلم ؟!
- ماذا ؟!!!!
- [ آيـآمي ] أعطتني كعك التوت !
- اللعنة عليك !! وانا من ظن الأمر مهماً !
وقف [ باندورا ] بجانب [ آيريس ] يمسك بكتفه مقرباً إياه منه مردداً
- عزيزي المسكين الوسيم ، لابد وأنك تعانيّ الأمرّين مع هذا الأحمق !
تجمعت الدموع في عينيّ [ آيريس ] وتراقصت شفتاه ، فألقى بنفسه في حضن [ باندورا ] باثاً همومه
- أجل أجل ، لطالما عذبني ، وقتل حيواناتي ، ودمر محال كعكي ! ولم يكتفي بهذا بل جعلني حيوانه الأليف ! و ادخلني المستشفى لسنوات ! آآآه ليتك تعلم مقدار ألمي مع عديم الإحساس هذا !
عيون [ باندورا ] أصبحت مرعبة ، يحيط وجه [ آيريس ] بيديه ويردد بنبرة شابهت عيناه رعباً
- إذن تحمل ، هذا أخي الصغير المدلل الذي تتحدث عنه ! إياك أن تهينه أمامي !
تفجر [ كازو ] بالضحك ريثما إرتجف [ آيريس ] كالسناجب معانقاً الجدار !
- على أية حال .. شعورٌ مأشوم هو هذا الي حلّ على العاصمة !
كتّف [ كازو ] يديه ، ثم أعقب بظلامية
- يبدو أنها حررت اولئك الثلاثة ! أرجو أن لا يقتلها والدي لهذا !
ضاقت عينا [ باندورا ] فيما أسترسل [ آيريس ] بجدية
- لا أعتقد بأنه سيسّر لهذا ، فقط لنأمل ألا يكونوا كالسابق
- أجل أوافقك هذا وحسب .. أيها السنجاب !
كما إنها لم تكن بحالٍ جيدة .. لسببٍ لا تعلمه فقد غطت في نومٍ عميق كأولئك الثلاثة منهوكيّ القوى
وربما .. لم يكن نومها هذا .. هنيئاً بقدرهم ، حينما فتحت اعينها على إنبلاجٍ واسع !
مذعورة ، متعرقة و نبض قلبها متسارعٌ بشكل جنوني .. !!
ترجلت من فراشها بسرعة خارجة من غرفتها و سائرة بين ممرات القصرِ بأقصى ما يمكنها
حينها إنتبه [ آندراس ] عليها فابتسم متحمساً وقال
- [ آيـآمي – ساما ] لدي ..
توقف عن الكلام مصدوماً حينما مرت منه عنده ... تحمل علامات فزعٍ لم يرها على وجهها من قبل !
أثار ذلك خوفه وفضوله ، فما الذي حدث ليجعلها خائفة هكذا ؟!
في لحظاتٍ كانت في قصرِ والدها .. تسير لاهثة تبحث عنه في كل البقاع !!
تكفيها الكوابيس التي تتحقق على الدوام .. لا تريد لهذا أن يتحقق مثلها !
إلا هو !!
شعرت به .. جالساً مع الجميع في البهو العظيم ، وقد كان يبدو منزعجاً كعادته
دخلت بسرعة لاهثة ، حتى صمت الجميع مشدوهين لحالها .. متعرقة وشعرها مبعثر
ووجهها شاحبٌ كالأشباح ! وقف [ كازو ] قلقاً على حالها فيما تقدمت هي منه متوجلة !
وناقوس الخطر يقرع زوايا قلبها بلا رحمة !
تحت صدمته وصدمة الجميع عانقته بقوة ! قوة لم يعهدها وهي تتمسك به كمن يتمسك بحياته ..
دهش لحالها ، بادلها العناق وملامح الصدمة لا تزال بادية عليه !
إستطاع أن يشعر بإرتجافٍ ضعيفٍ في جسدها وهي تقربه منها أكثر وأكثر
- [ آيـآمي ] ..
- الحمدلله .. أنت بخير !!
- إيه ؟!
إبتعدت عنه تحاول إلتقاط أنفاسها وكل الحاضرين ينتظرون تفسيراً ما .. !
أحاطت وجهه بيديها ووضعت جبينها على جبينه تستشعر قربه .. إرتخت كل عضلاته فجأة
هدأ الجو حولهما ، فابتعدت بعد وهلة و أعطتهم ظهرها وهمت بالخروج قائلة
- آسفة على الإزعاج !
إتسعت أعين الجميع ، عدى [ ساتان ] الذي شعر بعلة ما في الموضوع .. ولم يحب ما تخليه قط !
عادت لقصرها ، ترنحت مرهقةً فاستندت على أحد الجدران .. ترفع رأسها مناظرة السقف بغموض
شدت على شفاهها بأنيابها الشيطانية .. ثم نطقت بغضبٍ عارم
- أتحاول تعذيبي مجدداً .. [ آكليس ] ؟!!!
وضعت يدها على قلبها ، تشعر بضيقٍ حاد في التنفس ، كما إن الصداع إكتسح رأسها كزنّ الذباب
كل شيءٍ بدأ وهي تحاول التنفس فلا تستطيع ، تشعر بإنها مقيدة .. مأسورة في حفرة سحيقة !
سقطت على ركبتيها تسعل بقوةٍ كبيرة ، و قد نزف رأسها بدون سببٍ معين ..
إزداد تعرقها ، هي تشعر بالحر .. حرٌ شديد يكاد يصهرها كالمعادة !
سقطت على معدتها ولا تزال تلهث ، تصادمت أظافرها مع الأرض فتخمش الأرض بها
وتأنّ بألمٍ كبير ، جسدها يرتجف كما لو كانت تشعر بالبرد .. وهي على السعال القوي ماضية ..
فجأة .. إختفى كل شيء .. عادت طبيعية وأستطاعت أن تتنفس مجدداً ..
فوقفت بصعوبة .. متجهة إلى غرفتها ، و ذكرياتها .. تتدفق حيث لا يجب أن تكون !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق