وقوفٌ على جوفٍ محصور وسط السكون
ارواح ضاقت بها الازمان
وتطويقٌ على متنفس الزهرِ الرنان
قد تقف بعد السقوط ولكن
هل لك من الحياة متسع بعد الموت ؟
ايمكنك ان تراقب الموت مرتحلاً
وانت تحمل على ظهرك عدة السفر الطويل ؟
هل تنوي تسلق الجبال الشاهقة للهروب ؟
ام الغوض في اعماق المحيطات للاختباء ؟
هل تنوي الصراخ في صحراء الجفاف ؟
ام الصمت والبكاء في غابة النسيان ؟
هل ستترك الضعف الذي ارتسم على وجهك الشاحب ؟
ام ستسقط صريعاً في المعركة التي لا يمكنك ان تنتصر فيها ؟
هل ستوافق على التضحية بمن تحب لاجل نجاتك ؟
ام ستترك العنان لنفسك وتسلب حياتهم بيديك ؟
عزيزي .. انت ضعيف !
انت وحيدٌ وسط الحشود !
انت فأرٌ يقاتل الاسود !
انت حشرة .. وما بال الحشرة إلا من شباك العنكبوت ؟
اتراهن بأني سأقدر على تركك واذهب ؟
هل تفكر بأني لن اتخلى عنك ؟
اضحكتني يا من كان الوفاء حليفك
لستُ ممن يحب التملص من بين فكوك الافاعي
ولكنك لست افعى ... لست بشرياً محضاً
مجرد ضعيف ارتمى بين احضان المشنقة
ويوماً ما سترى ... ستعلم...
بأن الزمن ليس حليفاً لك كذلك !
باردة ، كئيبة وقاتلة ! قد ترافقك الحياة الى مفترق الطرق الطويل وبكل أنانية تلقيك وسطه فتهيم وحيداً في طريقٍ لم ينقشع ضباب النسيان عنه ، وتلوذ بالتي هي اسوأ من هذا ... نفسك !
نفسك هي عدوك التي كنت تخشاها من الازل ، ولكن العدو يبقى صديقاً مألوفاً ، يعرف نقاط قوتك و نقاط ضعفك ! ، ولطالما كان العدو افضل صديقٍ مما لديك من حشود الاصدقاء
يرفرف بجناحيه الفضيين امامك فأما ينتشلك من وحدتكِ وإما يفتك بما تبقى من عقلك ، واهنٌ هو خيطُ الامل ، رفيعٌ حينما يريد ان ينقذك ولكنه ضعيفٌ ان احتقرك والقاك حيث لا تعلم
تقلبات الحياة في صفحات الكتب التاريخية كلها امامنا ولكن ... متى استفدنا منها ؟! ، الانسان يهيم في دائرة لا تنتهي من تكرار نفس الاخطاء والذنوب ! ولكن يبقى .. لا يوجدُ منطقٌ في عالم اختار الحرب لإحلال السلام
كلها قوى تقبع داخلنا نحن البشر ، فأن اردنا اطلقنا العنان لها وإن لم نرد تركناها خاملة بين اضلعنا تختفي تماماً خلف قلوبنا ، وهكذا اتضح السبب الحقيقي ... في النهاية نحنُ سبب وهننا وضعفنا وعجزنا .. ولكن السؤال !
هل سنبقى هكذا ؟! ام سنتغير ؟!
سحبها بشكلٍ مرعب ناحية القصر وهو يكبلها من يديها بفولاذٍ حارق ، بدا وكأنه قد فقد رشده واسوّدت عيناه حتى لم يبقى فيها اثرٌ للعقلانية ، ملامحه التي باتت شبحيةً تنثر الفزع في نخاع من حوله لم تزد وضعه المرثي إلا سوءاً وحسب
وريثما هو يجرها بين الأزقة سمع أنيناً ، انينٌ لم يكن لبشر ، قلبٌ نابضٌ يأنُّ بحسرة والم وندم ، توقف متفاجئاً حينما وضع يده على قلبه واذا به هو من يأنّ ، اضناه المرض هذا القلب فما عاد له من النبض وسيلةً للحياة
استرق نفسه بنفسه ولم يحرك ساكناً امام وطأة ذكرياته ، شد على قبضته مرتجفاً بحنق ليكمل سحبها ريثما هي لم تُبد علامة على المقاومة وكأنما هي اضحية تقاد ناحية المذبح بأرادتها الخاصة ، متمسكة بما تمتلكه من الايمان بنفسها !
وصل بها إلى حيثُ المطهر ، امسكها من رقبتها والقاها بشدة على الجدار لتشعر بأن طيات رأسها قد تحمطت وباتت فتاتاً ، اظهرت الألم ولكنها لم تأنّ ، كان يتنفس بسرعة جنونية وهو ينظر اليها محاولاً ضبط اعصابه
تقدم منه ليمسكها من رقبتها مرة اخرى ويرفعها الى مستواه ملاصقاً إياها بالجدار البارد في غرفة خاوية من اي شيءٍ إلا الجدران و رسمٌ ضخم لختمٍ على الارضية الصلبة كان يشعُ بالأزرق البحري
قرّب وجهه منها غاضباً ، شد الضغط على عظام رقبتها الواهنة وهو يردد متوعداً
- ايها الذئب الذي زاغ عن الطريق ، لا تتعجب ان لكتك بين اسناني صريعاً
زمّت على شفاهها ولم تتحدث فزاد ذلك من غضبه وكأنما هي ارادت استفزازه حتى ينفجر بها قاتلاً ، ادرك هو الامر فتركها لتسقط على الارض لاهثة تسعل محاولة ملأ رئتيها الخاويتين بالهواء ، هدأ فجأة إلا صدره الذي راح يرتفع وينزل بسرعة من هول سرعة تنفسه
شد على قبضته و اخفى ملامح عينيه بخصلات شعره الذهبية ، اقترب منها مجدداً وامسك بذقنها ليرفع وجهها اليه وينظر في عينيها اللتين فقدتا بريقهما منذ فترة ، لم يتحدث بل قبلها فيما بين عينيها ليكبلها بالقيود ويخرج من المكان مسرعاً وقد أغلق البوابة الحديدية خلفه
كان يسرع الخطى على غير عادة منه حتى استوقفه كيان ابنه القلق الجاد ، لم يرد ان يتحدث اليه او ان يفسر ما كان يفعله ، اراد الاختلاء بنفسه واغلاق الموضوع داخل نفسه وحسب
تعداه سيراً فأذا بالأخير ينطق بارداً
- التاريخ يتكرر و زوبعة الخراب ستعود ، أليس كذلك ؟
توقف بعينين اتسعتا كانبلاج الابواب ، سرعان ما عادتا طبيعيتين وهو يغمضهما متمتماً ببعض الكلمات ، اردف بعدها بصيغة لم يفهمها كازو القلق
- اجل ويبدو أن الذئاب تطمح لقتل التنين هذه المرة
لمعت عينا كازو للحظات ، اغمضهما وسار مبتعداً دون ان يقولَ شيئاً ولكن خيال والده ظهر امامه فجأة ليمسكه من بين منكبيه ويقرب وجهه منه بملامح مرعبة غطى على نصفها شعره الذهبي ، قال ببرود طاغية مستبد
- إياك وفتح البوابة للشر الطليق ، إياك والسماح للظلمة بالحلول ، إن اراد التاريخ تكرار نفسه فسنوقفه بأنفسنا ونجتّثُ تلك الحلقة المدمرة
فهم ما اراد والده الوصول اليه بكلامه ، ولكنه لم يبالِ بالأمر الخفي بين طيات الحديث ، ادرك ساتان ذلك فما كان منه إلا ان وضع يده على جبين كازو الذي شعر بأن الدنيا ابيضت من حوله ليسقط مغشياً عليه
نقله والده بنفسه الى حجرته وخرج بعدها متآمراً مع نفسه بخطة لم يتوقع ان يصل اليها يوماً ما
لا يعلم لما يشعر بأنها ليست بخير ! بخير ؟! هه كيف ستكون بخير وهي مع كازو الراقص ذاك ؟
جلُّ ما كان يفكر فيه هو هذا ! ، تحول للأستلقاء على جانبه ووقعت عيناه على النافذة التي حجبت هواء العاصفة من الدخول اليه ، اتسعتا قليلاً حينما شاهد عصفوراً جالساً بالخارج يكافح من اجل الدخول ، لم يرقّ قلبه له ولم يهتم في البداية إلا حينما شاهد عصفوراً اصغر منه يختبئ بجانبه
لمعت عيناه بحزنٍ على حال الطفل الصغير فوقف مسرعاً ليفتح النافذة ويجابه الهواء المدمر ، بسرعة امسك العصفورين وادخلهما ليغلق النافذة ويتنهد براحة
فتح يديه وشاهد العصفورين ينظران اليه ، ابتسم بهدوء ولكن صورةً قد تخيلها قد غيرت رأيه حينما ادرك بأنهما سيكونان لذيذين ان قام بشويهما و تحشيتهما ببعض الخضراوات والبهارات
لمعت عيناه بخبث وقهقه بشّر ، لم يدرك العصفوران ما كان يفكر فيه ، ازمع ناحية المطبخ ، حينما يفكر بالأمر ، هو قد فقد عقله بشكلٍ مرعب ، لم يعد يفكر او حتى يهتم بأي شيء ، كلُ ما يشعر به هو البرد والفراغ وحسب
لم يعد ساسكي الذي عرفه الجميع من قبل ، اصبح جسداً مجوفاً خالياً من كل شيء !
وصل الى حيث المطبخ والعصفوران لا يزالان ينظران اليه بتعجب وهما يزقزقان بفرح ، لم يعلما المصير المرعب الذي ينتظرهما بعض لحيظات معدودات
قام بوضعهما على الطاولة وثبتهما بتقنية خاصة ، بدا وأنهما ادركا نوعاً من الشر في عيونه ففزعا وحاولا الطيران ولكنهما لم ينجحا في ذلك
امسك بسكين كبيرة وهو يضحك بشكل مضحك و مرعب ، اقترب منهما ونظر اليهما بنظراتٍ ابليسية وهو يقول متوعداً
- سلما لي على السمكة المشوية في معدتي وقولا لها بأنها كانت شهية على العشاء
رفع السكين فظهرت دموع الخوف على ملامح العصفورين وعانقا بعضيهما بقوة وهما يصرخان بزقزقة تؤلم الكيان ، هوى ساسكي بالسكينة التي لم يشعر بها الا و هي تطير من بين يديه وقدمان كبيرتان تضربان وجهه
التصق ساسكي بالجدار ليقوم فزعاً وهو يشاهد ناروتو ينظر اليه بغباء وغضب وهو يصرخ بكلمات لا يفهمها ، نظر ناروتو بعدها الى العصفورين فوجدهما ينظران اليه بأسى لعلهما يحظيان ببعض الرحمة ، تأثر ناروتو كثيراً وبدأ يبكي وهو يمسح عليهما ويقول
- مسكينان ، وقعتما بين يدي ذلك الاميبا الغبي ، لابد وأن الامر كان مرعباً على قلبيكما الصغيرين
ازدادت دموع العصفورين وهما يزقزان بألم ، امسكهما ناروتو واحتضنهما وهو يصرخ ويبكي متأثراً ، ولكنه حالما شعر بسمنتهما حتى اختفت دموعه فجأة وظهرت هالة الاكل عليه وقد سال لعابه تماماً وهو ينظر اليهما بشهية مفتوحة
جُلط العصفوران الصغيران اثر ذلك وحاولا الهروب ولكن ناروتو احكم قبضته عليهما وضحك بشّر وهو يقول
- لا بأس عليكما ! لن يكون الامرُ مؤلماً ، فقط ستشعران بالسكين تقتلع رؤوسكما ومن ثم نضعكما في نارٍ حارقة ! اتريان لن يؤلم مطلقاً ! ساسكي ! ناولني ذلك المنشار !
تعجب ساسكي ولم يفهم الامر ولكنه صرخ فجأة بعصبية بلهاء
- هذا سكين ايها الاحمق وليس منشاراً !
رمش ناروتو عدة مرات حتى ادرك الامر ومن ثم اتسعت ابتسامته الشريرة ليقول
- لا يهم ! في سبيل الطعام لن يضرنا تغيير اسماء اسلحة الطبخ !
لمعت عينا ساسكي بجدية وشعر بنوعٍ من الاثارة يتخلل الى جسده ، ابتسم بثقة واغمض عينيه ليردد بغرور
- يقال بأن افضل طريقة لطهو الطيور هي بأقتلاع اعضائها قبل رأسها ، ما رأيك بذلك
قهقه ناروتو بشّر ورقص كالمصريين القدماء وهو يعقب بخبث
- اجل سيكون ممتعاً تعذيب الضحايا قبل قتلهم ، لطالما اردتُ تجريب ذلك
ظهرت هالة الشر المضحكة حول ناروتو وساسكي ، امس كلٌ منهما بسكين ضخمة لينظرا لبعضيهما ويقولا بابتسامة
- لي الكبير
- سأتكفل اذا بالصغير
اقتربا منهما وهما يحملان السكاكين والطيران المسكينان يبكيان بقهر و حسرة وصدمة
خلال ثوانٍ لم يفقه اليها احد كان كلٌ من ناروتو وساسكي مكبلين بالحبال ، متورمي الوجوه من الضرب وقد فقدا الوعي لثوانٍ كذلك
نظرا الى الجاني الذي حمل العصافير وهو يبتسم ويعلبُ معهما ، رغم انهما خافا كثيراً ولم يصدقا ببراءة تلك الابتسامة الساحرة ، ولكنهما في نهاية المطاف لم يتحملا ووقعا بحب ابتسامة ايتاتشي البديعة
صرخ ساسكي ببلاهة وغضب
- ايها اللعين ما الذي تفعله بضحايانا ؟
اكمل ناروتو مسانداً
- اجل اجل معدتي تبكي حسرة على فقدان اعز طعامها
التفت ايتاتشي اليهما بنظراتٍ مرعبة وصمتا وهما يتصببان عرقاً ، وضع الطيرين في جيوبه ونظر الى ساسكي بغموض ، تنهد وامسك كرسياً ليجلس عليه ويردد
- ساسكي ، بحق الله ما الذي تفعله ! انت لستَ نفسك منذ بضعة ايام
صمت ساسكي لولهلة ولكن عينيه لمعتا بحزن فطأطأ رأسه متنافياً الاجابة ، زفر ايتاتشي واكمل قائلاً
- اعلم بأنها ليست بخير وهذا امرٌ واضح ، ولكن ان تعذب نفسك بهذا الشكل سيشكل عائقاً لها وحسب ! هي بحاجة لمن يساندها لا يزيد معضلتها سوءاً
اتسعت عينا ساسكي بعض الشيء ، تنهد واجاب بهدوء
- هذا لا يهم الان اليس كذلك ؟ ، لم اعد اشعر بما حولي ! انت لا تعلم كم تعني هي لي لذا لن تستطيع تخيل ما انا فيه ، الا تظن بأني قد حاولت ان اكون قوياً من اجلها ؟ لقد حاولت بحق الله !! ولكني لم افلح ! انا احتاجها بجانبي وليس في عالمها الخرافي ذاك ! اريدها هنا والان !! لن تفهموا مطلقاً كيف هو مؤلمٌ هو هذا الشعور !
لمعت عينا ناروتو بأسى ونظر الى الارض مطأطأً رأسه ، لم يرد الحديث ولكنه قال بحزن وابتسامة مهزوزة
- الامر مؤلم اليس كذلك ؟ ولكن ان واصلت هذا فستفقدك هي ، هل تريدها ان تجن وتنتحر بسبب هذا ؟! ، حاول ساسكي ، انت تستطيع ذلك انا اعلم ذلك ، لا تترك نفسك عرضةً للضغوط النفسية الحادة هكذا ، من اجلها واجلنا جميعاً افعل ذلك
هدأ ساسكي على اثر كلام ناروتو ، اما ايتاتشي فقد بات يفكر وهو يقول آملاً
- لو كان لدينا طريقة للذهاب الى عالم الشياطين وحسب !
- يمكنني ان اساعدك
صوتٌ فاجئهم من اللا مكان ، وهم يرون امرأة ذهبية الشعر تقف امامهم بابتسامة لطيفة تخفي خلفها الشر العظيم ، تعجبوا جميعاً منها وقد ساورت الشكوك ساسكي الذي شعر بالخطر قادماً من ناحيتها
ابتسم لها وهو يردد ساخراً
- اهذا ما تنوين فعله لأظهار السخط ايتها الشمطاء ؟
توقفت وهي تشهق بشكلٍ مفزع ومنكر ، ترقرقت عيناها بدموع التماسيح وهي تعقب بأسى
- أاصبحتُ شمطاء في نظرك ؟ دان !
ابتسم دانتاليون ببلاهة ليقول برجولة
- اجل يا عزيزتي ولن تفيدك دموع التماسيح في مجهابة فولاذية قلبي
توقفت الدموع فجأة وابتسمت كريس بمكر وهي تخرج سكيناً لم ينتبه عليها دان ، القتها في وجهه وهي تصرخ بغضب
- ولكن جبهتك اللامعة ليست فولاذية
تعمد دان ان يترك السكين تصيبه واخترقت جبهته التي سالت منها الدماءُ بشكلٍ غزير ، لم يهتم كثيراً ولم يظهر اي علامة على الالم ، ولكنه قطب حاجبيه ليردد مستعلماً بتعجب
- هل انتِ طفلة ؟!
جفلت برموشها عدة مرات ومن ثم وقف بغرور وهي تتحدث قائلة بتمثيل
- ربما لا تعلم عزيزي روميو ، ولكن جولييت لها من القوة ما تكفي للقضاء على جيشٍ منك
اقترب منها دان ودنى من وجهها بابتسامة ساحرة ، احمرت خجلاً وحاولت التراجع إلا انه امسكها من خصرها وقربها منه ليطبع قبلة هادئة على شفاهها ويبتعد بعدها
شعرت بأن ركبتيها لا تحملانها على الوقوف فسقط على الارض وهي تستشعر قوة نبض قلبها ، شعرت بأن حرارة جسمها في تلك اللحظة قد وصلت للآلاف من الخجل الذي وضعت فيه
اما هو من جهة اخرى فقد اخرج لسانه بسخرية عليها وهو يردد في نفسه
- تهزمين جيشاً مني اذا ؟! وانتِ لا تستطيعين احتمال قبلة !
اكملا طريقهما بعدها حتى وصلا الى حيث القصر ، استأذنت كريس بالذهاب فانصرفت ودخل دانتاليون سعيداً بانجازه الكبير وهو لا يعلم بالمصيبة التي تنتظره داخل اسوار القصر
حالما دلف اليه اتجه ناحية البهو العظيم حيث وجد والده بعصبية باتت معتادة على محياه ، ابتسم وانزل الرأس الضخم لينتبه ساتان على وجوده ، لم يبتسم او يظهر اهتماماً له مما زاد من تعجب دانتاليون كثيراً ، اقترب من والده ليردد بقلق
- هل حدث شيءٌ ما يا والدي ؟
رمقه ساتان مطولاً ، تنهد واردف حينها
- استمع لما سأقوله دون مقاطعة ، هل فهمت ؟
ازدرد دانتاليون ريقه ليردف بعدها بتفهم
- اجل فهمت
حكى على مسامعه كل ما حدث في فترة غيابه ، لا يعلم هل تلك الظلمة التي حلت فجأة هي من تأثير الصدمة ام ان قلبه ما عاد ينبض ! توقف عن الشعور بالوقت واظلمت الدنيا امامه ، ترنح بعض الشيء وكاد يفقد توازنه لولا ان امسكه ساتان وهو يحملق في ملامحه المضطربة والمنكرة
فجأة تشبثّ به بقوة ليصرخ في وجهه بلا شعور
- آيـآمي ! اين هي آيـآمي ؟!
لم يتعجب ساتان من ردة الفعل هذه ، اشاح بناظريه واجاب ببرود
- في المطّهر
انبجلت عينا دان على اقصى اتساع لهما ، شعر بأن شعر جسده قد وقف كالأبر من الصدمة ، كبت غضبه ليقول مرتجفاً بعصبية
- انت تعلم بأن المطّهر خطر على حياتنا نحن ابنائك السبعة وبأمكانه قتلنا ! ما الذي تفكر فيه بو ضعك آيـآمي هناك ؟!
احتّدت عينا ساتان بشكل مرعب ، انتفض دان وهو يحدج ملامح والده بأستفهام ، اغمض ساتان عينيه وهو يتنهد بلا اجابة مقنعة
شّد دان على قبضته ولم يشعر بنفسه إلا وهو يركض بشكل هستيري ناحية المطّهر ريثما يصرخ بأسم آيـآمي خائفاً
لم يهتم ساتان بهذا وعاد إلى إكمال العمل الذي بين يديه
فُتح باب المطّهر بقوة ليدلف دان لاهثاً ، وقف وهو يرمق آيـآمي المعلقة على الجدار بقيودٍ معدنية ، توقف قلبه للحظات ليزمع ناحيتها ويحيط وجهها بيديه ويردف بخوف واهتزاز
- آيـآمي ! آيـآمي هل تسمعينني ؟
فتحت عينيها ببرود وهي ترمقه ببعض التعجب ، ابتسمت بهدوء خبيث وهي تنظر في عينيه اللامعتين الخائفتين ، اردفت بوهق وامتعاضٍ منه
- لا تصرخ كالطفل الرضيع دان ، انا هنا اسمع ولكن لا ارى ، هه مضحك اليس كذلك ؟
لا يعلم لما شعر بتغير جذري في نبرة آيـآمي الساخرة ، ابتلع ريقه ليعقب بقلق
- ما الذي تفعلينه بحق الجحيم ؟! لما فعلتي ما فعلتيه ؟
اغمضت عينيها وهي تزفّر بحدة ، طأطأت رأسها بلا مبالاة وهي تقول متثاءبة
- لا يهم اليس كذلك ؟ ، انت لا تقلق عليّ ، سأكون بخير جلُّ ما عليك فعله هو الاهتمام بنفسك فقط !
شعر بشيءٍ غريب في نبرتها ، خوفاً من المجهول وظهور هسّة غريبة من رحم الظلمة ، اختفت الملامح من وجهه وابتعد عنها ليخرج من المطّهر دون ان ينبس ببنت شفة
سار في اروقة القصر دون هداية ، وهو يستشعر ريحاً صرصراً قادمة من الافق تحمل معها هلاكاً اكيداً وفاجعة ستغير معتقداته للأبد
ولكن من بين اخطائها البشرية قلبٌ نابض ، اختفى بين اضلعٍ حمته بما تستطيع لسنواتٍ طويلة ! استمدت خلالها الامل من ابتسامة من احب يوماً
ولكن ها هي الان وحيدة ! تسير بلا هداية ، لا تعلم كيف يمكنها ان تخبر من تحب بأنها على شفى حفرة من الموت الاكيد ! إلا إن وجدت طريقة اخرى لمنع هذا وهذا ما لا تتوقعه على اية حال
توقفت قليلاً وهي تسير في اروقة القصر بخفاء ، غير عالمة بأن ساتان علم بوجودها ولكنه لم يهتم لذلك ، حاولت ان تستجمع شجاعتها حتى تدخل على المجنون السادي ولكن قلبها كان يرفرف فزعاً من فكرة أئتمان جسدها عنده
ازدردت ريقها بصعوبة وهي تفتح باب المعمل بهدوء ، دلفت اليه غير آبهة بالظلمة الغريبة التي اكتسحت الاجواء الشتائية في الغرفة
اغلقته خلفها وهي لا تزال تنتظر صوتاً يخبرها بأن هناك حياةً في هذا المكان ، ولكن انين بعض الاجساد المعلقة قد ارعبها ، وتهويدة مرعبة تنذر بالشؤم جابت المكان حينما شعرت بتلك السكين تخترق عضد يدها وتنثر دماءها على الارض
ابتعدت وهي تكبت صرخة الألم ، انتبه الظل الاسود عليها فزالت ابتسامته ، اظهر الامتعاض و اشعل الاضواء التي انارت كافة المعمل بهدوء
نظر اليها ببرود على غير عادة وهو يرتدي لباسه الابيض الخاص ، ارتدى فوق عينيه نظارة خاصة بالمعمل مما جعله يبدو اكثر وسامةً ووقار
حرك نظارته بأصابعه ليردف بصقيع في صوته
- ما الذي تريدينه مارينا ؟! لستُ في مزاجٍ لك !
قطبت حاجبيها لتردف بشكوى
- وأنت الذي كنت تغني منذ قليل بسعادة ! سادي خرف
لمعت عيناه بغضب ففزعت منه ، اشاح بوجهه مزمجراً ليسير بضع خطوات ويردف بعدها
- على اية حال ارى بأنكِ تواجهين مشكلة عويصة ! اعني لم يتبقى لكِ إلا شهر او اقل كما يبدو
صُدمت مما قاله ، ارتجفت بخوف وهي تعقب بفزع
- وكيف عرفت ذلك ؟! هل كنت تتجسس عليّ ؟!
قهقه بسخرية ، سرعان ما نظر اليها بجدية وغضب ليردف بانفعال
- ولما سأتجسس على شخصٍ مثلك ؟! انت لا شيء بالنسبة لي يا امرأة ، ربما اتجسس على تشيبي – شان ولكن ليس على عجوزٍ مثلك ، وايضاً رائعة الموت تعبقُ منكِ لا داعي لفحصٍ خاص لمعرفة انكِ تموتين
شعرت بالأهانة تسري في عروقها ، كبتت غضبها و رددت بضعف ارادة
- على اية حال ، هل تستطيع ايجاد حل ؟!
اقترب منها لينزع العباءة على حين غرة ، امسك بيدها وهي تحمل ملامح الدهشة على وجهها ، اقترب من آثار التصلب التي ظهرت بوضوح على بعض مناطق جسدها ليبدأ بشمها ، ظهر التوتر على ملاحه وابتعد فجأة ليحمل السكين من على الطاولة ويقترب منها
بدون اي انذار اقتطع جزءاً من جلدها بالسكين لتصرخ هي من الألم ، امسك بالجلد بدندنة ليجلس على كرسيه ويضع العينة تحت المجهر ويبدأ بمراقبتها
ابتعد بعد وهلة وهو يحمل التعجب على ملامحه ، امسك بسائلٍ اصفر اللون ووضعه على الجلد واعاد النظر مجدداً ، ازداد تعجبه وقطبه لحاجبيه وهو لا يزال ينظر الى العينة من المجهر
ابتعد وتنهد بصداع ليردف منزعجاً بشدة
- حسناً لقد اضفتُ سائلاً هيدروليكياً مخلوطاً ببعض المواد الخاصة ، وكما ارى النتيجة سلبية
تعجبت لتردف مستعلمة
- وما الذي تعنيه ؟
ازداد امتعاضه منها في تلك اللحظة ، حاول كبت ما يشعر به واردف ببرو
- الخلايا تموت بسرعة مخلفة خلفها سواداً ظهر على اثر الموت السريع ، ولكن هنا يمكن اللغز
امسكت بيديها لتردف برجفة
- ماذا ؟!
ابتسم بشّر ليعقب
- ليس هناك سببٌ واضح للموت ! بل في الواقع لا سبب مطلقاً
انبلجت عيناها باتساع مفزع ، ارتجفت بشدة وهي تضم نفسها قائلة
- اذا لا امل لي ؟!
امسك بذقنه وراح يفكر للحظات ، اغمض عينيه وقال وهو يحك شعره
- اخبري والدي بالأمر ، ربما سيكون قادراً على مساعدتك
شهقت بكتمة وهي تفكر بهذا الامر ، اشاحت بناظريها والتفتت للخلف وهي تقول بجدية
- لا شأن لك في هذا ، شكراً على المحاولة ولكن ان اخبرت آلون فلن يتعدى الامر على خير ، هل هذا واضح ؟
قهقه بسخرية محضة ليردف بلذوعة مرعبة
- تهددني مرأة تحتضر ؟!! أخفتيني حقًا أيتها العزيزة مارينا
شعرت بغصة ، سارت حتى خرجت من المعمل بهدوء و صمت ، اما هو فقد توقف على الضحك واحتلت الجدية ملامحه ليجلس على الكرسي ويلقي بقطعة الجلد جانباً ويردف بغضب
- لستُ مخولاً كي انقذ امرأة مثلك ، لدي امورٌ اهم من الفانين في حياتي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق