العالم حولي حانق على ما اوتيت من ضعف !
الالم حولي يضحك بسخرية والقدر لا يتحدث !
النيران تستعر في مملكة الظلمة التي بنيتها !
ودماء اطفالي على يدي تدفأ برد الجليد من حولي !
الجثث المترامية على سفوح الجبال تبكي دماً !
والاطفال الناجون يصرخون للأمل !
سفينتي غرقت في محيط النيران الذي صنعته !
والفيضان قد سلب ارواح من حولي فلم تبقى ..
إلا قدماي تجوبان المستعمرة وحيدة !
باحثة عن مخرج من هذا العذاب الجحيمي !
أانا من تلصق بي تهمة الخيانة ؟
أانا من تخسر معركة انتصرت فيها قبل قرون ؟!
كيف وصل الامر الى هذا ؟! كيف غدوت الحلقة الاضعف في الوجود ؟!
أين بطشي ؟ بغييّ ؟ جبروتي و سلطاني و غروري ؟!
هل انا حقاً من اُنكس رأسي واطأطأ عيني جاحظة ؟!
أنا ؟!
من ولدتُ من رحم الظلمة ! من كانت الظلمة انا ؟!
من سيطرت على الكون بكلمتها !
أنا اخسر ؟!
لسوف ابيدنّهم اجمعين ! لسوف امحوّنّ ذكراً لهم على السنة المزارعين !
سأقتلع قلوبهم واحرق اجسادهم الحية لتتضرع نحوي !
أنا الظلمة ! أنا الموت ! أنا الملكة !
أنا من تعرف الغربان وطأة فردتي فتنعق مرتعبة حتى تنفق اختناقاً !
أنا من جبت الكوكب حاملة سيفي بيدي وابدتُ كل السلاطين لأوحدنّ مملكتي !
اتنكسون رأسي ايها الأذلاء ؟! اتطأطأون عينيّ ايها الحقراء ؟!
لأرينكم من اكون ! ولأجعلن طغياني يعمي ابصارهم !
لأشربنّ دمائهم على جثثهم مجتمعين ! ولأعلقنّ رؤوسهم على خوازيق العاملين !
لأجتّزنّ الاعضاء منهم فرداً فرداً ! وحينها ليرون اجمعين !
زخات المطر المتساقطة بلطف على جلود الجثة التي اعتلت التل الصغير قد محت آثار الموت والدماء من عليها
تلك الظلمة التي ترتسم في عيون من تفارق الحياة جسده و التنكيل بالأرواح الذي يحدثه صدع الحقد فيها
لا ترميم لمن فقد الحياة ، لا علاج لمن ضل طريقه وحيداً ، اليأس .. هو العدو الحقيقي !
اليأس الذي يطغى ويتغلل بطيئاً في عروقنا وانفسنا ! اليأس الذي يدمر كل المشاعر داخلنا !
سلطانٌ هو عليها إن ضعفنا ! وسيدٌ طاغٍ بظلمه وجوره على من رفض الوفود لتحت جناحه !
الموت انتشر في كل مكان والظلمة احتلت كل عالم الشياطين ، الهزات الارضية لم تتوقف للحظة وكثرة الارواح التي تسلب قد افزعت كل الساكنين
جورٌ هو ذلك الشعور الذي شعر به ساتان وهو ينظر الى حفنة ابنائه الواقفين امامه .. منكسين اعلام الهزيمة !
عيان اسودتّا تماماً حتى ما عادت الملامح تظهر فيهما والغضب قد جعله مجنوناً مهووساً بالقتل في لحظات السكون هذه
لم يجرؤ أيٌ منهم على رفع رأسه والنظر في عينيه ! لم يجرؤ ايٌ منهم على ان ينبس ببنب شفة !
فالوضع الذي وضعوا فيه لا يحسدهم حتى حاصدوا الارواحِ عليه ! ترقبهم للعقاب القادم من بين جبروت سخط والدهم هو اكبر عذابٍ يمكنهم ان يتلقوه !
كلهم ازدردوا لعابهم حالما التفت ساتان اليهم ووجه قد تغيرت ملامحه إلى وحشٍ لا يمكن ان تراه حتى في افظع كوابيسك
دنى منهم خطوة لتتوقف قلوبهم عن النبض وتشحب الوانهم كالموتى ، ولكنهم كادوا يفقدون الاحساس بما حولهم حينما حرك ساتان يده !
فتمددت خيوطٌ ثخينة من الجدران القرميدية وقيدتهم فما عادوا على الحراكِ قادرين ، جحظت اعينهم وهم ينتظرون العذاب الذي سينزل بهم في اي لحظة ..
ولكن فكيّ ساتان تحركا بكلمات متحشرجة في غصة رئتيه فقال :
- تختلف الذنوب ، فمنها ما يغتفر والاخرى لا تغتفر ، وإن كانت لديكم عقولٌ فستعرفون من ايهم ذنبكم !
لم يتكلموا ! فالهالة التي احاطت بجسد ساتان اخرستهم وسببت لهم شللاً في الوظائف الحيوية ، شعره الاسود وعيناه التي احيلتا إلى السواد التام من الغضب و القسمات التي لا تمد اليه بصلة
كلها عوامل جعلتهم كالفئران التي تقع تحت رحمة عالمٍ مجنون بالتجارب !
ولكنهم لم يتوقعوا نبرة الوحوش التي اردف بها صارخاً حتى تصدعت جدران القصر :
- يال عاركم يا لوردات الجحيم السبعة ! يال عاركم يا ابناء ساتان !!! كيف لي ان انظر اليكم وألا اشعر بالخزي منكم ؟! اتسمون انفسكم مقاتلين ؟ اتفتخرون بالمجازر التي ارتكبتموها على مر العصور ؟! وتنظرون بطرف اعينكم إلى العامة وترفعون رؤوسكم ؟! بأي حق ؟!! ما الذي تملكونه ويختلف عما يملكه باقي الشياطين ؟!!!! من تكونون ايها الحثالة ؟!! تقفون عاجزين امام عمتكم التي اشفقت على ضعفكم فلعبت بكم كالدمى ذات الخيوط ؟! حتى وإنكم لم تستطيعوا الوقوف مطولاً ! فلو لم ارسل رثات باندورا هل ظننتم بأنكم ستكونون واقفين امامي هنا ؟!!! كلا والف لا ! ولكن ربما كان من الافضل لكم الموت في ساحة القتال كي لا تضطروا لمواجهتي ! كم ارغب بتعذيبكم فرداً فرداً حتى تجف الدماء من اجسادكم ! كم ارغب بإلقائكم الى الهاوية التي ترتعدون عند سماع اسمها !! تباً لكم يا من وثقت فيكم يوماً !!! جعلتموني استخدم اساليب ملتوية ! جعلتموني استغل موت ابني باندورا من اجلكم !!! اللعنة عليكم فرداً فرداً إلى حين ينتهي العالم !!! سألعنكم في خلوتي و مجاهرتي طوال الوقت ! ستندمون اشد الندم لأنكم لم تموتوا قبلاً !! وسترون ان غضبي الحقيقي لا يمكن تجاوزه !! سترون !!
صمت بها ولم يبقى إلا صوت شهيقه وزفيره اللذين تناقضا مع سرعة علو صدره وإنخفاضه ، ولكنه ما لبث ان ادرك المصيبة التي فعلها للقصر !
فقد تجمد كل شيء بجليد اسود حارق !
شدّ على قبضته فادمت بشدة ، القهر التي يعتمل داخله لن يتركه يعيش ايام السلام بعد اليوم !
ولكن بدون ان يقول شيئاً عادت عيناه الى وضعهما الطبيعي واختفت كل ذرة مشاعر منه فكأنما هو اخمد ذلك الجزء الذي يهتم او حتى يشعر !
تحركت الطاقة السوداء حول ساتان فتمددت حتى ظهر من خلفه حاصد ارواحٍ مختلفٍ عن العادة ، اصابتهم انتفاضة حالما وقعت اعينهم عليه و شعروا بالدم يجف من جوفهم وأن حرارة المكان تعدت الالاف من الرعب !
حينها التفت ساتان ناحيته ليقول بلا مشاعر :
- امنحك سلطة استخدام منجليك عليهم ، افعل ما يحلو لك وحالما تنتهي سأبدأ من حيث توقفت !
انحنى الحاصد ومن ثم برز منجلاه على يديه فتقدم من السبعة الواقعين في الاسر !
ما أن حرك منجليه حتى جُرحوا جميعاً في صدورهم وتكونت علامة اكس عليهم جميعهم تأوهوا من الالم والدماء تنزف من جروحهم تاركة عذاباً و عاراً ملتصقاً بهم !
رفع حاصد الارواح يديه وصفعهما ببعضهما فارتطم السبعة ببعضهم البعض لتدمي رؤوسهم وتبدأ الدنيا بالدوران في اعينهم
رفع يده إلى الاعلى فارتفعوا ولكن سرعان ما هوى بها الى الاسفل فارتطموا جميعاً بالارض لتتحطم اجزاءٌ من عظام اضلع صدورهم !
سعلوا الدماء وراحت علاماء الخجل تظهر جلية على وجوههم المضطربة ! استجمعوا قواهم فوقفوا واذا بقوى مرعبة انشئت جاذبية ضخمة قد الصقتهم بالأرض وكادت تسطحهم عليها من قوة الدفع إلى اسفل !
ما أن حاولوا الخروج من بين براثنه حتى شاهدوه واقفاً امامهم بكل بروده وهيبته وقد ظهر فوق كلٍ منهم سيفٌ اسود مسموم !
بكلمة لم يفقهوا إلى معناها هوت السيوف على اجسادهم فطعنت كلاً منهم في كبده ! وليجعل الحاصد المهمة اسهل اذاب بعضاً من الحديد ووضع الصهارة على اجسادهم ليباشر الضرب المبرح على انحاء متفرقة من اجسادهم !
وعلى بعد عدة فراسخ بسيطة من تلك الغرفة كان يقف مستنداً على الجدار يستمع إلى نحيبهم وصراخهم !
ملامحه الهادئة الغير مهتمة بتاتاً اثارت رعب ماري التي تمسكت بقدميه تبكي وهي تهزه محاولة ان تخبره بضرورة التوقف !
ولكن جّل ما فعله حدجها بنظرة ارعبتها واسقطت قلبها إلى غياهب الخوف الحقيقي ، ابتعدت عنه القهقرى وهي لا تزال تبكي بحرقة على ما حّل بهم بسبب خطأ اودى بكثير من الاشياء إلى التهلكة !
- لا يزالون فجاجاً ! ما كان عليّ تدليلهم بذلك الشكل مطلقاً ! انه خطأي بمعاملتهم على اساس النضج والرجولة !
قالها وهو يروم بهم في قرارته ، هذا الاستهزاء البادي في صوته لم يخرج إلا من قلبٍ عديم المشاعر
بعد هنيهة من هذا تحرك ناحية الغرفة مجدداً وفتح الباب لتفاجئه قطرات الدماء التي تناثرت على وجهه ، مسحها بأصبعه ولعقها وهو يردد ساخراً
- ياله من استقبال !
جال ببصره انحاء الغرفة التي تلطخت بالدماء من كل مكان واختفت ملامحها على اثرها ، كلُ ما استطاع مشاهدته هو بعض الاجساد التي تتحرك وقد طغى عليها اللون الاحمر والاعياء !
قطب حاجبيه حالما التفت اليه الحاصد واقترب منه هامساً بكلامٍ غير مفهوم ، اغمض عينيه تفهماً واعطاه اشارة فرحل قبل ان يدرك احدٌ اي شيء
وضع يده على خاصرته وامال برأسه بعض الشيء وعيناه إلى الاحمر تتحولان ، ابتسم بتكبر وهو يقول مستهزئاً
- ربما لم تقع عيناي على اشخاصٍ اشد اثارة للشفقة منكم ! اولم تذكروا هذا الحاصد ؟ قام بتعذيبكم حينما كنتم اطفالاً بنفس الطريقة ولكنكم خرجتم تسيرون وتقهقهون ساخرين منه في ذاك الوقت ، اما الان انظروا إلى الضعف الذي وصلتم اليه من الغرور والتكبر ! لا عجب في خسارتكم ، مجرد حمقى اعتقدوا بأن التهور سيفيد مع من هو اشد قوة منهم ! والان دعوني اكمل بيدي العذاب الذي تستحقونه ..
كلح وجهه حالما رفع كازو بصره ناحيته والاعياء والدمار النفسي لم يرحمه مطلقاً ، شرارة – من نوعٍ ما – ظهرت على وجه ساتان فدنى من كازو وجره من رقبته ناحيته حتى تقارب وجيهما وصرير اسنان كازو الناجم عن الالم يتردد صداه في قوقعة اذن والده غير المهتم
حرك كازو شفتيه بصعوبة لينطق كلماتٍ متحشرجة متألمة من بين عذابه الجسدي والنفسي
- استحقُ هذا ! انا اكثرهم استحقاقاً للعذاب ! استخفافي بـ آيـآكا جعلني احمقاً فهزمت شرّ هزيمة نكراء ! إن كنت تريد تعذيب احدٍ فليكن انا ! ولكن اترك اخوتي ! لقد بذلوا ما في وسعهم !
رفع ساتان احد حاجبيه استغراباً ريثما اصوتٍ اخوته الناهرة قد اتته من كل صوب ، فجميعهم يريدون ان ينالوا العقاب الذي يستحقونه ولا يريدون القاء اللوم على شخصٍ واحد وحسب !
شبحُ ابتسامة توجس منها الوحوش خيفة قد ظهرت على محيا ساتان حين ردد بنبرة مزمجرة مُثارة
- هكذا اذاً ، تلعب دور الاخ الاكبر الان ؟! ما قلته صحيح ! ولكني لستُ ظالماً لإلقاء اللوم على واحدٍ من اصل سبعة ، عذابك النفسي كافٍ لجعلك كلباً مطيعاً ، انت تعرف ما اعنيه اليس كذلك ؟!
شدّ كازو على شفتيه بقهرٍ لا يماثله قهر ، اغمض عينيه بقوة اراد بها اطفاء نور حياته ، ولكن تلك الصعفة التي دوت في ارجاء جسده مسببة صدمة لجهازه العصبي قد اجبرته على ان يبلج عينيه من الالم
شعر بكل خلية في جسده تهتز وكأنما الكهرباء تسير فيه مقطعة كل ما داخله ، بحركة بسيطة القاه ساتان على الجدار فارتطم ظهره به وسعل دماً قانياً من الحياة !
شعر بأن كتفه الايمن قد تدمر تماماً فحرك يده اليسرى بصعوبة ليضعها عليه متحسساً اياه ، اما ساتان الذي التفت إلى باقي ابنائه الستة قد قرر ان يخرج من هنا حالما تبقى لهم شفى حفرة من الموت !
لم يكتفي ساتان من عقابه لكازو بالذات فأعاد النظر ناحيته وبحركة سريعة رفعه من شعره وهو يمعّن النظر في عينيه المرهقتين الجاحظتين
استطالت اظافر يده الاخرى وقد كان ينوي أن يدخله في سلسلة تعذيبٍ جسدي وهمية تقطع روحه إلى اشلاء ولكن الباب فُتح على حين غرة ليصدح صوتٌ من ناحيته صارخاً بخوف
- توقف ارجوك ! ساتان – ساما !
ازداد غضب ساتان حينما ادرك صاحب الصوت ، التفت بطرف عينيه إلى آيريس اللاهث بتعب ورفع احد حاجبيه متعجباً وهو يقول ببرود
- اخرج من هنا ايها الغرّ ، لا شأن لك بالأمر !
تحرك آيريس مضمد الجسد بحركة مفاجئة فُتحت احدى جروحه على اثرها فبدأ بالنزيف ، شعر بالدوار وكاد يسقط إلا إنه تماسك وبانت هالاتٌ سوداء تحت عينيه وهو يقول محاولاً الحفاظ على وعيه
- عقابهم بهذا الشكل لن يغير الوضع الراهن ، اعتقد بأنه يجب علينا ان نتريث قليلاً
ترك ساتان كازو ليسقط ارضاً ويقف محاذياً لـ آيريس المترنح من الاعياء ، رفع ساتان احد حاجبيه مستنكراً مقولة الشاب الماثل امامه ، ولكن الغضب ظهر فجأة على محياه وتطاير شعره ليمسك برقبة آيريس بقوة ويصرخ حاقداً
- لا اريد من شخصٍ استغل المعركة للتقرب من ابنتي ان يتحدث معي بهذا الشكل ! ابقى خارج الموضوع ايها الاهوج !
وبدون ان يعرف آيريس ما قد حصل دفعه ساتان على الجدار بقوة فتفحت كل الجروح ليسقط على الارض شاهقاً بألم ومنكراً للحال التي هو فيها
اعاد ساتان ببصره ناحية ابنائه وقد اشتد احمرار عينيه ، عرف الجميع حينها بأنهم لن يخرجوا من هنا – احياء على الاقل –
رفع اراشي رأسه بعض الشيء وهو يغمض احدى عينيه من الالم ، بصوتٍ مبحوحٍ ردد راجياً
- والدي ! سوف نصحح الخطأ لذا ...
لم يكمل حديثه لأن ساتان داس على رأسه بقدمه وهو ينظر اليه بسخطٍ لاذع ، لم يتكلم ولكنه قرر البدأ بعملية تطهير الذنوب التعذيبية الخاصة به
كان بإمكان الجميع حينها سماع اصواتِ صراخهم على مسافة بعيدةٍ جداً من القصر !
حينما تترائى تلك الصور على مرأى من عين البشر الفانية وتراقب اوضاعاً ربما كانت قاسية !
تشير البشرية بأصبعها ناحية السماء مرددة بأن هذا هو الحلم الذي لا يمكن الوصول اليه
فهو كان واقفاً تحت دجى ليلة عويل الذئاب فيها لا ينتهي ، يرمق النجوم المرصعة في السماء بخفوت
لم يكن احدٌ يتوقع ردة الفعل الهادئة منه ، فقد اعتقد الجميع بأنه سيدمر كل ما حوله ويصرخ كالمجنون
مهرولاً في المكان !
ولكن هادئ وخافت المشاعر ، عيونه باهتة والدماء لا يبدو وكأنها تجري في عروقه !
مجرد جثة هامدة جلبها الزمن إلى الحياة بعد موتٍ دام قروناً سحيقة !
ربما قلبه لم يعد يتحمل كل هذه الالآم التي لا تنتهي ! وربما هو فقط يعلم بأنها ستعود له ..
لذا ... فهو ينتظر وحسب !
حتى إن انفجر غضباً ونفّسّ عن مشاعره فهذا لن يغير حقيقة انه لم يساعدها كما يجب
ولن يغير واقع كونه لا يجاري الشياطين في شيء ، مهما كان صغيراً !
انتصب كوبُ قهوة ساخنة امامه فجأة فاتسعت عيناه في هدوءٍ عجيب !
القى بنظرة إلى جانبه ليفاجئ بالحاضر الغير متوقع في هذا الوقت ، ابتسم بخفوت وتلقّف الكأس من يدها
ابتسمت له بهدوء ورددت وهي تفرك عضديها من البرد
- بحق الله كيف وقفت هنا لساعاتٍ حتى هذا الوقت ! انت بالفعل شتوي ساسكي !
ضربته كلامتها على وتر حساس فابتسم بهدوء وهو يرتّشف بعض القهوة المرة التي يفضلها
استكانت الهوكاجي الخامس بجانبه وهي تنظر إلى القمر بعيون تحمل من المعاني الكثير
تعجب هو للحظات من صمتها ، فهي في العادة تحاول التخفيف عنه بشتى الطرق ولكنها الان فقط .. ساكنة !
اردف مستعلماً بهدوء
- هوكاجي – ساما ، هل انتِ على ما يرام ؟
اتسعت عيناها وهي تلتفت له بملامح متعجبة بلهاء ، سرعان ما وكزته على جبينه وهي تقول بانزعاج
- من المفترض ان اسألك انا هذا السؤال !
راح يرمق القهوة التي تخرج منها الدخاخين لفترة من الوقت ، حتى رفع رأسه ليقول بلمعة ثقة
- كل مرة تختفي تعودُ للظهور فيها بشكلٍ اقوى ، صحيح ان فراقها يعذبني للجنون ولكني اعرف بأنها ستعود لي ! لا ريب في ذلك ! انا اثق بها واثق بقدراتها ! هي فتاتي في النهاية !
اغمضت عينيها مبتسمة بهدوء ريثما لسانها تحرك وهي تعقب على كلامه
- يا الهي كلاكما تجلبان الماً كألم الابرة في المؤخرة ، لهذا لم اتكلم معك يا ذكي ، اعلم بأنك الان تعرفها اكثر من اي وقتٍ مضى و ..
صمتت لهينهة مما اثار عجب الاخر ، التفت اليها ليجد ملامح الانزعاج الجادة بادية عليها بشكل جليّ
شعر بأنها ستتطرق إلى موضوعٍ حساس وقد استطاع تخمينه بسهولة مما اثار تنهيدة ضحلة في تنفسه وهو يقول
- انا لا اصدق ما قالته آيـآكا ، وحتى إن كان صحيحاً فهذا لا يهمني ، فأنا لا اريدها لأجل الاطفال ! انا اريدها لأني احبها اكثر من اي شيء في هذا العالم !
ملامحٌ خبيثة ساذجة اعتلت وجه تسونادي وهي تقول ساخرة
- الفتى الخجول اضحى جريئاً الان ! في السابق كنت تخجل حينما ننظر اليكما بنظرات " نحن نعرف انكما تحبان بعضكما " !
ابتسم بسخرية على ما قالته ، اعاد النظر إلى السماء وهو يقول بلمعة جدية ونبرة قوية متماسكة
- اخبرني ساتان – ساما بأنه سيجد طريقة كي يخرج آيـآمي من البعد الاخر ! اثق بكلامه رغم اني لا احبه !
قطبت تسونادي حاجبيها وهي تقول بصوتٍ اقرب إلى الهمس
- ساتان إذاً ؟ لا عجب من هدوءك ساسكي !
اكمل ارتشاف القهوة التي بين يديه وقد انعكس البدر التامّ على مقلتيه محولاً قتامتها الى لجينٍ صافٍ يبرق ثقة وقوة !
قطرات العرق تسقط من جبينه بسرعة وتناوب وقد تلطخت يداه بالدماء القرمزية الدافئة ، تراجع إلى الخلف قليلاً حينما استطاع ادراك حقيقة ان ابنائه على وشك الفناء من هذا العالم
دمائهم ملأت الغرفة و آثار التعذيب لن تغادر اجسادهم بعيداً ، مسح العرق عن وجنته بيده فتلطخت بالدماء التي تقطر من يديه كالشلال !
تنهد واستدار ناحية الباب المفضي إلى اروقة القصر ، انتبه على آيريس المستند على الجدار واللاهث بصمت فدنى منه وحمله بين يديه خارجاً من الغرفة
وقف على بعد بضعة امتارٍ منها ليعود وجهه هادئاً مرتاحاً ، حرك شفتيه بتثاقل وهو ينادي على ماهوتي الذي حضر بسرعة إليه
اقترب منه واعطاه آيريس وهو يقول بهدوء
- خذه إلى غرفته وعالجه جيداً ، الفتى كان شجاعاً للوقوف في وجهي ، رغم اني اردتُ قتله بالفعل !
انحنى ماهوتي ثم وقف يقولُ قلقلاً
- ماذا عن ابنائك يا سيدي ؟
بدى وكأنه قد تذكر شيئاً ما ، ابتسم وقال بسخرية
- بالنسبة لتلك المخلوقات التي تدعى ابنائي فيمكنك اخذهم إلى غرفهم ، ضع كلاً على حدة في بلورة المعالجة الخاصة وإلا فأنهم سيموتون لا محال !
ظهرت ملامح الحزن على ماهوتي الذي انحنى وهو يقول بهدوء مضطرب
- المعذرة ساتان – ساما ، ولكن ألا تظن بأنك قد بالغت في العقاب ؟
حدجه ساتان بنظرات متمعنة لهنيهة ليشيح بوجهه بعدها ويردف ببرود
- عذبتهم لأني اعرف انهم كلما ذاقوا الالم يصبحون اقوى ، وبهذا سيتمكنون من هزيمة آيـآكا في المرة القادمة !
ظهر التفهم على محيا ماهوتي الذي استدار وسار بسرعة ناحية غرفة آيريس الخاصة في القصر الملكي ، تنهد ساتان بضجر ليسير قليلاً فتظهر ماري المختبأة خلف الجدار امامه مضطربة خائفة
حالما شاهدها حتى ابتسم بهدوء واشار اليها فهرعت ناحيته واحضت قدميه وهي تغمض عينيها بشدة ، ملامح حانية ظهرت على وجهه فدنى منها وحملها إلى مستوى اعلى منه وهو يقول محاولاً اضحاكها
- لا تقلقي ماري ، كما طلبتي لم اقم بقتلهم !
انبلج الانزعاج على وجهها فقامت بنفخ وجنتها بشكلٍ طفولي وهي تشيح بوجهها بغرورٍ عنه ، تعجب للحظات ولكنه سرعان ما افلتها لتسقط على رأسها متألمة
قهقه بسخرية عليها وسار في طريقه ناحية البهو العظيم وهي قد اغرورقت عيناها بالدموع وهي تتوعده من داخلها !
وصل إلى البهو العظيم وقد اراد الاختلاء بنفسه حتى يقوم بالتدابير اللازمة لإخراج آيـآمي من داخل البعد الخاص بآيـآكا
ولكنه ما ان وقف امام عرشه حتى شعر بها خلفه حانقة ، التفت بملل ليرى عينيها الغاضبتين وارتجافها من السخط عليه ، رفع احد حاجبيه بسخرية وتجاهل وجودها !
شعرت هي بالتجاهل في حركاته فأطلقت العنان للسانها فقالت حانقة
- كيف يطاوعك قلبك على فعل هذا بأبنائك ؟ ألا تشعر بتأنيب الضمير ؟ الا تشعر بأن الذنب ينهش عظامك ؟! انهم على وشك ان يموتوا في أي لحظة مما فعلته ! اشعر بالقليل من الذنب ايها الملك الذي لا تكسر كلمته !
هي لم تكن تعرف بأن وجودها حوله وحسب كفيلٌ بجعله وحشاً لا يعرف الرحمة ، بكلامها هذا هي استفزته وحطت من قدره امامه !
تطاير شعره حينما احاطت جسده تلك الهالة الحمراء المرعبة ، تطاير الشرار من عينيه وشد على شفاهه بحقدٍ واضح
ودون ان تفقه هي إلى اللحظة تلقت صفعة اسقطتها ارضاً ، شعرت بكل خلية في جسدها تتكسر إلى ملايين القطع وكأنما عظامها لم يعد لها وجود وسيل دماء قد خرج من شفاهها !
زمجر هو بها صارخاً بعنف
- كيف تجرؤين على التحدث معي بهذه الطريقة ايتها البشرية الحقيرة ؟! اتظنين بأنكِ تعنين لي شيئاً ؟! في النهاية انتِ حية لأجل ابنتي وحسب ! ولكن يبدو وكأن وجودك وعدمه سواسية ! اتعلمين شيئاً ؟ لو كنتِ انتِ مع آيـآكا عوضاً عن آيـآمي لتركتكِ تتعفنين معها إلى الابدية ! انتِ لا شيء بالنسبة لي فاعرفي مكانتك ايتها المرأة ! اياكِ والتطاول في الكلام في حضرتي وإلا قطعته لك وحشرته في حنجرتك !
حطمها ! بكلماته هذه حطمها تماماً وما عاد لوجودها في نفسها اهمية ! شعرت بالاحتقار و الهوان !
لأول مرة هي تشعر بهذا البرد وهذه الرجفة التي طغت على جسدها بجبروتٍ مرعب ! اغرورقت عيناها بالدموع وقد خفت قلبها حتى كاد يتوقف عن النبض !
كيف لها ان تنظر في وجهه الان ؟! اين ذهبت كرامتها ؟ معزتها عنده ؟ حبه لها ؟ تلك الابتسامة و الاهتمام ؟!
احقاً نسى كل شيء لغلطة واحدة ارتكبتها ؟! لأجل انانيتها هو قد كرهها تماماً الان ؟!
طأطأت برأسها وقد عمّ الوجوم المكان ، لم يهتم هو لما قاله بل اتجه ناحية عرشه وجلس عليه ينظر اليها بطرف عينيه !
كم يرغب بطردها خارجاً والبقاء لوحده ولكن يبدو وكأن عزاءً ما يبدأ هنا وهو لا يعرف ، فهي بدأت تشهق وتبكي كالأطفال تماماً وقد احمّر وجهها من الطعنات التي شعرت بها في كلامه !
رغم انها بذلت جهدها حتى تعوضه عن انانيتها ولكنها لم تنجح ! والدليل امامها هنا والان !
وقفتْ بلا حراك ويداها ترتجفان مجتمعتين بتكورٍ عند قلبها ! ازداد غضبه من حالها الدرامية واراد جرها من شعرها والخروج بها من هنا
ولكنه حالما وقف حتى تحجّر وحشاً اختفت ملامح وجهه في الغضب ، حينما صدح صوتها في قوقعة اذنيه واضحاً لا يمت للحياة لصلة !
السواد هو كلُ ما رآه حينما الصوت المشؤوم تحدث ساخراً
- اوه ساتي ! اهكذا تعامل النساء ؟ لا عجب من ان زوجاتك ميتات !
حتى مارينا التي كانت تبكي توقفت عن البكاء ونظرت ناحية ساتان بقلق وخوف ، شد الاخير على قبضته محاولاً ضبط اعصابه ليردف باصطكاك في اسنانه
- اين ابنتي آيـآكا ؟ هل هي معك ؟!
بدا وكأن آيـآكا انزعجت بطفولية ، اعقب على كلامه بغرور ابله
- لا عجب من انك لم تقم بأي حركة كي تنقذها ! لم تكن واثقاً من وجودها معي ! حسناً دعني اجبك بصراحة ..
صمتت لوهلة قطعتها بنبرة خبيثة
- هي الان بين يديّ ، ولكن لا تشعر بالأمان لهذا ساتي ، فلا احد يمكنه ان يعلم ما قد افعله و حورية بجمالٍ لا مثيل له امامي هنا .. ربما فقط .. انت تعلم !
اُحيط جسده بالهالة الحمراء ، القصر من تحت اقدامه راح يتزلزل وهو يصرخ
- اياكِ والمساس بشعرة منها !!
صدعت ضحكاتها في عقله مسببة له نوبة قهرٍ جنونية ، ولكنه على غير عادة كبح جماح اعصابه وقال ببرود
- ما الذي تريدينه ؟! تكلمينني بعد الذي فعلتيه !
صمتت آيـآكا لفترة طويلة ، بدت وكأنها تحولت إلى الجدية ! وان شعور الوجوم في قلبها قد تبّلد واُحيل الى جليدٍ لا مشاعر فيه !
انكست رأسها وراحت تلعب بخصلاتِ شعر آيـآمي بهدوء ، ضاقت عيناها بلمعة حزن وهي تقول بهدوء حزين
- اريد تفسير بعض الامور لمارينا ، بما انها مرت بما مررتُ به من قبل !
قطب ساتان حاجبيه بشكلٍ انزعاجيّ بحت ، اما الاخرى فقد شعرت بشعورٍ غريب يكتسحها لتردد بلا وعيٍ منها
- ما الذي تقصدينه ؟!
اغمضت آيـآكا عينيها بهدوء ، اردفت بها بتزمّت واضح
- ما حدث قد يكون آفة ونقمة ! وقد يكون نعيماً وسعادة ! من يعلم ؟!
عمّ الصمت ، كسرته بعد عدة دقائق وهي تقول
- انتِ تعرفين بأن ابني باندورا هو ابن ساتي كذلك اليس كذلك ؟! حسناً دعينا نبدأ من حينما كنتُ حاملاً به ! دمي ودم ساتي يعتبر انقى دمٍ في كل العوالم ! لا يماثله إلا دم حكيم المسارات الستة وحسب ! وحينما اختلط دمي مع دم ساتي تكون باندورا صاحب الدماء التي لا تماثلها نقاء ! ولكن من شدة دماء باندورا اصبحت ملوثة ! النقاء الزائد جعل الدماء ملوثة مليئة بالسخيمة ! وبسبب هذا وُلد وحشٌ هو ابني واحببته اكثر من اي شيءٍ آخر في حياتي !
انكسارٌ غريب في نبرة آيـآكا وخفوتٌ في نبض مارينا قد اجتمعا ، نوعٌ من اللوعة التي لا يفقه اليها إلا من جرب فقد الدماء التي تجري في عروقه قد ساد الاجواء ، حينما اغرورقت عينا آيـآكا بالدموع وهي تكمل تنظر الى آيـآمي بمشاعر متمسكة في الوهم
- وكذلك الحال معكِ عزيزتي ، دعيني اسألكِ سؤالاً اولاً ، في فترة حملك بآيـآمي شعرتِ بها اليس كذلك ؟! تلك الآلآم الفظيعة التي تجعلك في جحيمٍ حي ! الشهقات التي اخرجتها و ذلك الشعور وكأن .. وكأنما احد ما يمتص الحياة والروح من جسدك ! التكون الوحشي للطفل في احشائك ! كلها شعرتِ بها اليس كذلك ؟ كذلك الرؤى التي راودتك و المشاعر التي تقتضي بقتل الطفل قبيلما يولد ! اخبريني ..
ربما لم يتفاجئ بملامح مارينا في تلك اللحظة غير ساتان الذي استغرب هذا النوع من التقاسيم في وجهها ، الفزع المصحوب برغبة في الصراخ الصامت ! ذلك الخوف الذي لم يشاهده من قبل على ملامحها والارتجافة القوية في جسدها كافة !
زاد تعجبه حينما قالت مارينا تضم نفسها بيديها
- اجل ! ذلك الشعور اتذكره جيداً وكأنما الطفل الذي كان داخلي اراد قتلي ! محقي هو هدفه ! كلما مرت الشهور كنتُ اشعر برغبة القتل والشيطانية البحتة آتية من دمائها إلى دمائي .. اللعنة التي شعرت بها في عينيها حينما تناظرت مع عيوني لأول مرة في عالم الرؤى ! لا استطيع ان انسى ذلك
عادت الجدية على ملامح آيـآكا ، ريثما ساتان ردد في قرارته بملامح حانقة
- اتذكر صراخها في معظم الاوقات و الراحة العجيبة في الاوقات الاخرى ! اذاً فما كنتُ اخشاه سيحدث ؟!
تنهدت آيـآكا لتستطرد حديثها
- كما قلت من قبل ، اختلاط الدماء النقية سينجب وحوشاً سافكة للدماء ، تفسير ما حدث لكِ هو التالي : دمائك تعودُ مباشرة إلى مؤسس الاوتشيها الذي يكون ابن حكيم المسارات الستة ! وهذا يعني بأن دمائك هي بمثل نقاء دمائه وبأختلاط دمك ودم ساتي تكونت آيـآمي ! نسخة باندورا والتي قد تكون ... افظع منه جوهراً !
رفعت مارينا بصرها إلى الفراغ مستشعرة ظلاماً في بصرها حلّ فجأة ، ما الذي تتفوه به هذه المرأة ؟! اتحاول اقناعها بأن ابنتها مجرد وحشٍ ذي انيابٍ ساغبة لسفك الدماء ؟! اتحاول اقناعها بمسخية ودغلية الطفلة التي تحبها اكثر من اي شيء ؟!
ساتان لم يحرك ساكناً ، جلّ ما فعله هو الخروج من الغرفة بسرعة و التسرّع بادٍ على رغبته في اخراج آيـآمي من المكان الذي حُبست فيه !
تلاشى صوتُ آيـآكا فجأة ، مارينا متصنمة وساتان على وشك الانفجار ! الصدمات المتوالية والاحداث غير المتوقعة تطرق ناقوس الخطر بشكلٍ خفي مسببة الالم الذي لا ينتهي في الصدور المثقلة بالهموم
و تتوالى الاحزان مسببة العتمة والتحجّر في قلوب الاحياء حتى تحيلهم إلى موتى يهيمون بلا روح ! جنائز انفسهم لم تعد تهم ولا قبور لهم قد حُفرت !
لذا ربما هو يكره نفسه الان .. لأنه يكذب بشأن كون على ما يرام ، فالغصة في صدره لا تختفي و البرودة العجيبة التي تنخر عظامه لا تنجليّ !
اراد الكذب واقناع نفسه بأنه لن يقلق ولكن ها هو الان في منزلها ! يجلس على طرف فراشها يرمق المكان بعيون تنظر إلى الفراغ
هذا الشعور الذي يرادوه .. مضمونه انه حينما عادت علاقتها قوية بعائلتها عادت المشاكل لها بشكلٍ تام !
يتذكر كيف كانت تتحاشى الكلام عنهم ، كيف كانت تريد نسيانهم وعدم التفكير بأمرهم .. هي كانت محقة بنظره !
فمنذ ان عادت تلك العلاقة قوية اصبح يفقدها دائماً ولابد من انها تشعر بنفس شعوره كذلك !
منذ ان عرفهم بدأ يشعر بالعجز التام وكأنما هو عديم النفع مقارنة بالشياطين النبيلة ! ولكنه قهقه ساخراً حينما تذكر كازو وشجاره الدائم معه
لا يحبذ الاعتراف بهذا ولكنه لا يكره ذلك الرجل ! هما متوافقان بشكلٍ مقزز و لكنه يستسيغ ان يكون له علاقة به حتى يستطيع دحض رغبات كازو في شقيقته
- ذلك اللعين ..
قالها وهو يبتسم بحزن لوقوع عينيه على الحذاء الحديدي الذي انتصب في جبهته من قبل ! ضحك على نفسه حينما تذكر ذلك اليوم .. كم يتمنى ان تعود الايام الهادئة حينما يريد ان يرسل جيش كونوها الخاص لجلب آيـآمي من مهمتها !
إلى تلك الايام التي كانت تضربه فيها وتحطم عظامه حتى ينال قسطاً من الراحة .. حتى كلمة قبيح من شفتيها يفتقدها بشكلٍ لا يمكن تصوره !
انتبه على بابٍ اسود في زاوية غرفة آيـآمي ، لم ينتبه على وجوده من قبل !
وضع يديه في جيوبه وبوجهه المرهق المثقل بالهموم والقهر سار ناحية الباب ، امسك بمقبضه وحاول فتحه إلا أنه ابى ان يتحرك من مكانه !
قطب حاجبيه منزعجاً ! حتى الباب اصبح بإمكانه هزيمته !!
تذكر شيئاً ما ! ابتسم بغرور وخبث وهو يعض احد اصابعه ليكتب اسمها على الباب بالدم !
فانبلج الباب على مصراعيه حالما امتص الدم تماماً حتى تلاشى ، دلف إلى الغرفة المظلمة عديمة الروح والمنطق
بحث عن مفتاح اشعالِ الضوءِ حتى وجده واُنيرت الغرفة بشكلٍ تام
اتسعت عيناه وشعر بأنهما ترومان به ! تزجية الوقت لن يضيع سدىً هنا إن اراد محق ارادة البحث عنها في نفسه
الغرفة ذات التصميم الفيكتوري العتيق الانيق ، المليئة باللوحات التي قامت هي برسمها !
لا ينكر أن اول ما شدّ انتباهه هو لوحة الملاك التي شاهدها من قبل ! اقترب منها وابتسم حالما تذكر مهمة الجاسوس عليها في ذلك اليوم
شعر بالقليل من الحرج فما فعله كان طفولياً ولكنه كان مجرد مراهقٍ في نهاية الامر !
راز المكان بقليل من الدهشة لكثرة اللوحات و تنوع مضمونها !
- لا اعلم لما لم تخبرني بشأن هذه الغرفة من قبل !
قالها مستغرباً وهو يقف امام احدى اللوحات المغطية برداءٍ اسود ، بدأ الفضول يأكله حياً ليعرف اي نوعٍ من اللوحات تقبع خلف هذا السواد القاتم !
ازال الرداء بسرعة و تهور ووقف دقائق يحاول استيعاب اللوحة التي اعتبرها اجمل لوحة رآها في حياته !
التفاصيل الدقيقة التي استطاعت ان تصورها والواقعية النادرة فيها ! ومضمون اللوحة التي اختصر في بضع كلماتٍ كتبت على جانبها بخطٍ اسود عريض
لوحةٌ له وهو يخرج من بحيرة في عتمة الليل والمياه تبلله تماماً تحت ضوءِ البدر الكامل وابتسامة ملائكية لا يعرف هل يملكها ام لا تعتليّ ثغره !
وضع يده على الكلمات وهو يقرؤها بقلبٍ كاد يقفز خارج صدره من السعادة
- " الروح التي تعيد الحياة إلى الجثة الميتة ، الزهرة السوسنية التي سرقت كياني .. محبوبي الازلي ذو الشتوية الفاتنة .. اوتشيها ساسكي "
تخيل حينما انهت اللوحة ، لابد وانها احمّرت خجلاً وكادت تذوب حينما ادركت ما رسمته وكتبته ! ابتسم اولاً حتى تحولت تلك الابتسامة إلى ضحكٍ نابعٍ من القلب ! ربما .. ربما فقط هو لا يستطيع الشعور بالحياة دونها هي !
امسك بشعره وارجعه إلى الخلف وهو يقولُ بغرورٍ بحت
- مزعجة ! حقاً فتاتي المزعجة تستطيع اخفاء الاسرار بشكلٍ جيد !
التفت وخرج بعدها من الغرفة مقفلاً الباب ومبتسماً بهدوء ، رفع ناظريه إلى السقف بارتياح غريب !
ربما لأنه عرف بأنها ستعودُ لا محال بدون ان يتدخل ! او لانه عرف بأنه لن يستطيع انتشالها من بين براثن عمتها العجوز !
حالما سار خطوتين حتى تفاجئ بكتلة من اللحم تقفز فوقه من النافذة التي تحمطت إلى اشلاء !
ضحكٌ مزعج دوى في اذنه مناديه بأسمه بنبرة غبية تعرّف عليها على الفور !
ما كان منه الا ان ركل ناروتو بقوة على معدته فدفعه ليصطدم وجهه بالجدار ، وقف ناروتو غاضباً يصرخ ببلاهة
- بحق الجحيم اتضرب صديقك الوسيم اللطيف ؟! كيف تجرؤ ؟!
ملامح اللا مبالاة كانت سيدة الموقف ! لم يعر ساسكي ناروتو أي اهتمام واتضح ذلك حينما اشاح بوجهه عنه وسار خارجاً من الغرفة
ولكن على عكس المتوقع امسك ناروتو برسغ ساسكي بصمت فالتفت الاخير متفاجئاً من عدم رده ولكن لكمة على وجهه جعلته مصدوماً حينما رمقه ناروتو بغضبٍ شديد وصاح به زاجراً
- لا تمثل دور " انا سيد بخير " ايها الاحمق ! اعرف بأنك تتألم لذا لا تكبت ذلك في نفسك ! الالم لا يحتمل إن بقي في القلب وحسب !
اتسعت عينا ساسكي وهو يتحسس وجنته الحمراء من اللكمة ، ملامحه ارتخت وظهر الغضب عليها وهو يقول بصراخ
- اجل انا اتألم هل يعجبك الامر ؟! انه يقتلني بعدي عنها ولكني ما باليد حيلة ! لا استطيع فعل شيء ! لو كان بإمكاني لأعدتُ الزمن حتى ..
صمت وقد تذكر شيئاً ! لمعت عيناه وراح يجوب انحاء الغرفة وهو يفكر بشكلٍ متتوالٍ وغريب ! الآخر تعجب وقال فزعاً منه
- ما الامر ساسكي ؟! هل فقدت عقلك اخيراً ؟!
التفت اليه وراح يهزه من كتفيه وهو يقول متحمساً
- المهرج ذو الغباء اللا محدود مثلك .. ما كان اسمه .. اجل آيريس ! سمعت ساتان – ساما يقول قبل ان يعيدنا بأن لديه قدرة التحكم في الزمن .. ربما يمكننا ...
امسك ناروتو بيدي ساسكي وابعدهما بنظراتٍ حزينة ، اشاح بوجهه قليلاً وهو يقول
- لا اعتقد بأنه سيفيدنا خاصة و هو مصابٌ بشدة ! وحتى إن عدنا بالزمن فقد نموت هذه المرة ساسكي ! فكر بالامر جيداً قبل ان تقرر لأن الوضع معقدٌ اكثر من سابقه !
هو يدرك الامر .. يعلم جيداً بأن هذا هو الحال الذي يجب ان يكون عليه كل شيء ! ان يستمر الزمن في المضي دون توقف او اهتمام لحال ايٍ منهم !
تنهد والتفت وهو يقول ببرود
- اعلم ذلك .. كل ما في الامر اني اردتُ التشبث بخيطِ امل !
خرج من الغرفة وتبعها المنزل وراح يسير في طرقات كونوها لعله يجد ما يشفي الجرح في قلبه من العجز و الحيرة !
الغاية لا تبرر الوسيلة !
والضعف .. هو خطيئة !
رغم ان عظامه محطمة و جسده غير قادرٍ على الحراك إلا انه قرر ان يجازف بحياته ويخرج مواجهاً والده
هو يعرف ان للجنون فنوناً ولكن فنّه مختلف عن الباقين بشكلٍ تام ! لذا هو احمق كفاية لفعل مالا يقدر احدٌ على فعله !
تشبثّ بالباب وهو يحاول الخروج من غرفته بعدما فجّر تلك الكبسولة الخاصة بالعلاج ، انتبه اليه ماهوتي الذي كان ماراً ففزع وراح محاولاً اعادته إلى حيث غرفته وهو يقول منفعلاً
- كازو – ساما ! لم تمر سوى ساعتين على بقائك في الكبسولة !! تحتاج الى عشر ساعات اخرى !
وجهه شاحب واللهاث لا يتوقف عنه ، بان الالم عليه وهو يضع يديه على خاصرته قائلاً ببحة مرعبة
- اريد ان افعل هذا ماهوتي ! لا تتدخل !
شاهد ماهوتي ارادة قوية مرعبة في عينيه الحمراوتين الباهتتين وعرف انه سيعجز عن اعادته إلى صوابه فتركه وذهب !
سار كازو بخطواتٍ ثقيلة جداً مترنحاً ومقاوماً الاعياء والالم الذي يقطع عظامه ، ولكنه توقف يسعل وكاد يسقط على الارض لولا ان استطاع استعادة توازنه
وصل بصعوبة إلى حيث غرفة والده ! إلى حيث شعر بأنه موجودٌ فيها !
طرق الباب فأتاه صوتُ ساتان الذي تعّرف عليه مسبقاً قبل ان يصل ، فتح الباب ودلف إلى الغرفة واغلق الباب خلفه !
التفت ساتان بعصبية وانفعال شديدين ازدادتا حينما شاهد كازو امامه بملامح جدية لا تعكس حاله المزرية !
بدون شفقة قال غاضباً
- وتجرؤ على ان تظهر وجهك امامي ؟!
ظهرت تعقيدات على حاجبي كازو الذي فاجئ والده حينما خرّ على الارض منحياً وهو يقول بندمٍ وكبرياء
- ما حدث كان خطئي انا !! انا من جلب العار لإسمك يا والدي ! انا هو صاحب الذنب الذي لا يغتفر ! انا من عليه ان يموت كيّ يكفر عما فعله ! لذا انا قد اتيت ! لذا هذا العار عليه ان يمحى ! إما ان تقتلني يا والدي او اجد طريقة اقتل بها نفسي ! استحق ذلك على التهور والاستخفاف بخصمي ! انتَ لم تعلمني هذا ولم تعلمني الطريق الذي اسير فيه ! انا قد حدت و اصبحت نقمة على وجود الجميع ! لذا طهرني إن احببت ولكن سامح اخوتي ! فهم قد بذلوا جهدهم وتحملوا اخطائي ! وانت اكثر من يعلم بأن ما حلّ بآيـآمي يفتك بكياني وهو السبب الاكبر في رغبتي بالموت ! لذا اسلب الروح من جسدي يا والدي إن احببت وخلصني من هذا العذاب !
ملامح ساتان الجامدة لم تتغير ، فقط رفع احد حاجبيه واتجه ناحيه كازو ليقول له بصيغةِ امرٍ مرعبة
- حسناً اذا ، قف كازو !! وواجه مصيرك !
ابتسامة صفراء ميتة اعتلت ثغر كازو حينما وقف بصعوبة بالغة مواجهاً والده ، حينما تقابلت عيناه مع عينيّ والده الزرقاء شعر بالرهبة والعظمة تخرجان منها ! ربما هو سيكون سعيداً لأن هاتين العينين هما آخر ما يراه قبل ان يرى الظلام الدامس وحسب !
اخرج ساتان خنجراً صغيراً بحجم قبضة اليد من بين طيات ملابسه ، اغمض الاخر عينيه استعداداً للموت المحتوم !
لحظاتٌ مرعبة من الصمت والترقب ! الرغبة والانكار ! البرودة التي تكتسح الاجواء بجبروتٍ غريب !
ربما هو قد مات دون ان يشعر بشيء ! فهو لا يستطيع فتح عينيه والبرد ينخر عظامه و الخمول يكتسحه !
لا يعلم هل هذا هو الدم الذي يتدفق خارج جسده ام انه مجرد تيار هواء بارد !
ولكن دفئاً غريباً يجتاح جسده ويدان تضمانه بقوة إلى قلبٍ نابض بهدوء تحيطان بجسده !
انبلجت عيناه ليجد والده يعانقه بقوة ويدس رأسه في صدره ، سمع همس والده يقول بحنان عجيب
- لستُ انظر الى الموت طريقاً للتطهير ولستُ اريد ان ارنو إلى جثتك واتحسرّ على ما حلّ بك !
حلّ ساتان وثاق كازو من حجره وابتعد عنه قليلاً مبتسماً بهدوء ، الرغبة الغريبة التي اجتاحت كازو بالصراخ في وجه والده في تلك اللحظة كادت تسيطر عليه ولكن تراجع قبل ان يفقد نظرة العفو الواضحة في عينيّ ساتان !
انحنى كازو وقال شاكراً
- اشكرك على الرحمة بهذا المذنب الاحمق !
لم ينبس ساتان ببنت شفة وخرج كازو من الغرفة يشعر بالغضب لأنه لم ينل مراده !
حينها اجتاحته رغبة قديمة في احياء الماضي ، فقاوم رأسه الذي حاول ان يصيبه بالإغماء وسار بسرعة إلى حيث خيطٌ من قدره قد قطع يومها !
وصل إلى مكانٍ قصي في القصر ، موحش ومتفرد بالصمت والموت المحيط به !
دلف من باب رتاج إلى اعماقِ غرفة باهتة الاضواء وساكنة كالاشباح المطبقة على متنفس الضعفاء !
وقف بترنح ورغبة في النوم امام ذلك الوعاء الضخم الذي احتوى جسداً اتصلت به الكثير من الانابيب و الحبال الخاصة
ركز على الشعر الابيض و الملامح الهادئة التي يتصف بها صديقه النائم في زوبعة النسيان
- هل هناك حلٌ لتعقيدات شخصيتي .. آلبيرت ؟!
الوجوم المرهق كان اجابته الوحيدة ، ابتسم بشكلٍ يفطر الفؤاد ليردد بانكسار
- هكذا اذاً .. كما توقعت !
اصابت جسده صدمة في تلك اللحظة فتهاوى جسده إلى الخلف وكاد يسقط لولا اليدان اللتين امتدتا وامسكتا به قبل يلامس الارض
فتح عينيه بصعوبة وهو يسمع صوت رفيقه الساخر
- لا اظن النيام ينطقون وهم في سبات الاموات !
ابتسم كازو باستهزاء على نبرة آيريس التي لا تنمّ إلا عن سخريته منه وحسب ، ارتخى جسد كازو بين يديّ آيريس ليردف الاخير متمعناً في آلبيرت
- لا استيقاظ لمن فتكت به الحياة كما اتوقع !
اغمض كازو عينيه وقال متعباً
- قل ما تريده ! فالحياة هنا صعبة و غير عادلة !
ابتسم آيريس بهدوء ولم يعقب على الكلام المقال ، اما الاخر فقد شعر بشعورٍ غريب فوقف فجأة وكأنما هو يقاوم الالم !
التفت ناحية آيريس مبتسماً بخبث على وجهه الشاحب المريض مما جعله مرعباً في تلك اللحظة !
امسك بيديه وراح يفرقع اصابعه وهو يقول مهدداً متوعداً
- دعنا نتحدث عن قبلة الاميرة .. هلا فعلنا ؟!
بدأت قطرات العرق تتراكم على وجه آيريس الذي توتر بشكلٍ واضح ! حاول التراجع إلى الخلف ولكن كازو امسكه من شعر وجذبه ناحيته !
ظهر ظلٍ اسود على وجه كازو والشرار يتطاير من عينيه بشكلٍ مرعب !
صراخ آيريس على تعذيب كازو كان يسمع على بعد اميالٍ بعيدة من القصر !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق